-A +A
أحمد عجب
في الحقيقة، لا أدري من أين أبدأ مقالي هذا الأسبوع، ونفسي مسدودة عن الأكل منذ أيام، فكلما أعدوا لي وجبة ووضعوها أمامي، نحيت الطبق جانباً وأطلقت العنان للتنهيدات. أنا الذي كان يضرب بي المثل في معرفة أفضل المطاعم الشعبية بكافة أحياء جدة، من الشرفية للنزلة، من الروابي لحي الثعالبة، حيث أقطع المسافات الطويلة وأجوب الحارات والأزقة بحثاً عن لقمة هنيئة من يد أمهر الطهاة. اليوم أتضور جوعاً بعد أن فقدت الشهية تماماً بفعل تلك المقاطع التي انتشرت مؤخراً عن بعض المطاعم التي أحبها والتي يدعي مصوروها أنهم ضبطوا بداخل وجباتها عدد من الحشرات؟!

فتلك اللوحة العريضة التي تتحدث عن خبرات السنوات التي كتبت على واجهات بعضها ليس بالحبر وحده، وإنما بجهد وعرق صاحب المحل الذي أفنى عمره كله في الحفاظ على سمعته ونكهة وجباته، يأتي شخص بايع الدنيا بكل ما فيها، ليضيع كل ذلك التاريخ بمقطع مسيء ومفبرك لا يتجاوز عدة دقائق وسط صمت الرقابة وتشجيع الناس له!


أنا لا أنكر وجود بعض المطاعم غير النظيفة وغير المؤهلة صحياً التي تحتاج لرقابة مكثفة من البلدية، ولا يمكنني أن أغفل دور الزبون الذي يقف على مخالفة في الإبلاغ عنها، وأخذ شهادة الحاضرين معه، لكنني لست غبياً ولا مغفلاً حتى تنطلي علي تلك (البروبقندا) التي يعملها أحد الزبائن، حين يحمل جواله بكل عنجهية ويبدأ بتصوير الطبق وهو يكبه على طاولة المحاسب مشيراً إلى وجود بعض الحشرات، قبل أن يبدأ بالولولة والخروح إلى الواجهة وتصوير اسم المحل وشعاره، ثم يعود إلى الداخل ليسأل بقية الزبائن (الذين تتملكهم الدهشة) عن الموقع والزمن من باب توثيق الواقعة!

أول ما يخطر ببالي في هذه اللحظة، هو مشهد ذلك التاجر المنافس وهو يقف على باب محله الذي قد يقع هناك بناصية الشارع، وقد تهلل وجهه فرحاً بنجاح خطته الجهنمية في ضرب سمعة المحل الشهير الذي تسبب في انصراف الزبائن عنه، وها هو البلطجي الذي نفذ العملية يتسحب إليه ليسأله عن رأيه في المقطع الذي أصبح حديث الناس ويطالبه بالدفعة الأخيرة من قيمة العملية، وقد تغيرت نفسية صاحب المحل المحرض قائلاً له: امسك هذي فلوسك ولا عاد أشوفك مرة ثانية، ليرد عليه البلطجي ضاحكاً: طيب ما تأخذ شوية من الصراصير اللي باقية بجيبي يمكن تحتاجها بكبسه ثانية؟!

إنني أطالب بمنح المطاعم المعروفة التي تجاوزت خبرتها 15 سنة حق تعليق لوحة داخل وخارج المحل تمنع التصوير نهائياً، متضمنة إيضاح العقوبة النظامية للتشهير والإضرار بالمحل عبر أجهزة المحمول وهي السجن سنة وغرامة نصف مليون ريال، لعلنا نستطيع بهذا الإجراء الصارم بعد أن (كرهونا في العيشة) حماية الذوق العام والتجار الشرفاء، ونستعيد بعضاً من شهيتنا المفقودة بعزومة متواضعة على بعض من العصيدة المصنوعة من دقيق البر الفاخر والممزوجة بالمرق المحور الساخن وكبسة اللحم الضاني مع سلطة الخضار الشهية والمطعمة بالفلفل الحار (والله أني جعت يا جماعة)!