-A +A
صالح مطر (الطائف)تصوير: عوض المالكي
حينما تبحر الذاكرة في عمق التاريخ للتعرف على بدايات التعليم النظامي بالطائف فان اسم دار التوحيد يطل شامخاً مثل جبل لا تهزه الريح وقد تخرج في هذه المدرسة العديد من الشخصيات التي تبوأت مناصب عليا ما يؤكد اهمية تلك المدرسة كأحد الامكنة التي نبعت من ردهاتها انهار العلم, واضحت علماً تاريخياً هاماً في ذاكرة التعليم. دار التوحيد هو الاسم الذي اختاره جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كأول مدرسة نظامية تقام في الطائف حيث اختار - طيب الله ثراه - هذا الاسم واشرف على تأسيسها لاقناع اهل البادية بالحاق ابنائهم في فصول التعليم النظامي لان الناس في الماضي كانوا يخشون من دخول ابنائهم المدارس النظامية حيث كانوا يكتفون بالكتاتيب وقامت هذه المدرسة بتأمين السكن والاعاشة للطلاب ودفع مخصصات شهرية لهم وتزيد هذه المكافأة في حالة اذا كان الطالب متزوجاً.
مميزات مادية ومعنوية

ومن اجل الابحار في ذاكرة المكان والتعرف على هذه المدرسة التقينا بصالح غازي الجودي احد المؤرخين لهذه الدار الذي اوضح ان الدار اسست في العام 1364هـ وتم ربطها بالشعبة السياسية بالديوان الملكي لتحظى بمميزات مادية ومعنوية تكون اغراء لاولياء الامور الذين لم يألفوا نظام المدارس فالعامة من افراد المجتمع والغالبية منهم كانوا اميين لا يعرفون ولا يرغبون ان يتعلموا دون مناهج توارثوها مشافهة عن آبائهم ومن سبقوهم وحرصاً منهم على المحافظة على تقاليدهم المتوارثة.
ومن هنا يمكن القول بان اختيار الاسم كان متعمداً ان يكون بدار التوحيد لان الدار تعني مكاناً للايواء في نظر العامة وهي ليست مدرسة من وجهة نظرهم والتوحيد هو محور العقيدة الصحيحة وهو توحيد الله ووحدانيته في الاسماء والصفات. وقد ارسل بعض اولياء اولئك الطلاب برقية لجلالته طالبين اعفاء ابنائهم من دخول دار التوحيد حيث كان من ضمن اجابته لهم .. ونحن نريد ان يكون ابناؤكم علماء افاضل ينيرون السبيل ويفهمون امور دينهم ودنياهم لا سبيل الى الاعفاء.
اهداف «دار التوحيد»
ويضيف الجودي ان اهدافها الاساسية التركيز على تعليم التلاميذ المنتسبين اليها اصول العقيدة الاسلامية واللغة العربية بغية تخريج اجيال مؤهلة لوظائف القضاء والتعليم ووظائف الوعظ والارشاد ومختلف الاعمال الحكومية وكذلك اهداف غير مباشرة مثل تعليم ابناء البادية وتوطينهم وذويهم من حالة التنقل والترحال الى حالة الاستقرار وتذوق حلاوة المدينة وتساهم بفتح المجال لديهم لتقبل التغير الحضاري وقبول المناقشات العلمية التي تتخذ من المناهج العلمية المختلفة خير طريق للبحث عن الحقيقة والتثبت من صحتها والقناعة بها كذلك يساهم طلابها عند عودتهم وهم مقتنعون بصدق ادائها في نقل افكارهم تلك الى ذويهم في البادية فيتيسر لهم فيما بعد قبول فتح مدارس جديدة لان غالبية التعليم الذي كان في القرى وبين منازل البدو لا يتجاوز تعليم فك الحرف وحفظ القرآن الكريم.
ويشير الجودي الى ان في البدايات الاولى لتأسيس الدار كانت انظمتها تسمح بقبول كل من يجيد القراءة والكتابة لانه لم يكن في كثير من قرى ومدن المملكة اي مدارس نظامية حتى تلتزم انظمتها بتحديد شهادات معينة وكان جل الاعتماد على الكتاتيب التي لا تحمل الصفة النظامية او تتبع لاي جهاز من اجهزة الدولة وظل الحال هكذا حتى عام 1366 عندما اسندت مهام رئاستها الى الشيخ محمد عبدالعزيز بن مانع بالاضافة الى مهامه الاساسية مديراً للمعارف الذي عمل جاهداً على تنظيمها وتحديد مناهجها الدراسية وسنوات الدراسة وشروط الالتحاق بها. وسرعان ما نظم امورها ووضع لها منهاجاً دراسياً في الحديث والتفسير والفقه واصوله والمصطلح واصول التفسير والنحو والصرف واللغة وعلوم البلاغة والفرائض والحساب والتاريخ والمطالعة كما وضع لها نظاماً داخلياً وطلب من مصر انتداب ثلاثة اساتذة اثنان من كلية اصول الدين وواحد من كلية اللغة العربية ووضع لها المنهج الدراسي الشامل مع بداية العام الدراسي 1366هـ وفي العام 1369هـ اصدر رئيس دار التوحيد ابن مانع رحمه الله امره الى معاون دار التوحيد بتحديد الحصول على الشهادة الابتدائية شرطاً لقبول الدراسة بها.
وكان يدرس بها المتزوج والشاب فلم يحدد لها سن معين في سنواتها التأسيسية فقد كان من بين طلابها المتزوجون الاستاذ فهد المبارك والشيخ عبدالله بن خميس والشيخ عبدالله الشلاش والشيخ سعد الجندول وجاء بعدهم الشيخ عبدالرحمن الشعلان وكلهم التحقوا بدار التوحيد وهم متزوجون كذلك كان تيسراً لكفيفي البصر الالتحاق بها وقد زاد عددهم عام 1374هـ عن خمسة وعشرين كفيفاً.
مكافأة طلاب الدار
وعن ما كان يصرف لطلاب الدار من مكافأة اوضح العميد الجودي ان المكافأة خضعت للزيادة والنقص ثم الزيادة التدريجية بحسب الامكانات الاقتصادية المتاحة في تلك الفترة فقد بدأت بصرف مخصص جيبي لكل طالب مقداره خمسة عشر ريالا نمت مضاعفتها في ما بعد اضافة الى صرف ملابس لكل طالب واستمر ذلك سنتين الى ان صدر الامر الملكي بزيادة مخصص الاعاشة لطلاب الدار الى مئة ريال وفي العام 1372 تم تخصيص 140 ريالاً تصرف سنويا لكل طالب باسم بدل كسوة وكان عدد الطلاب في تلك الفترة 150 طالباً وفي العام 1373 صدر الامر الملكي القاضي بمساواة مكافات طلبة الدار بزملائهم طلاب المعهد الديني العلمي بالرياض ومقدارها 230 ريالا شهريا تصرف لكل طالب واخيرا وصلت الى 300 ريال لطالب المتوسطة و375 ريالا لطلاب القسم الثانوي.
وقد كان يصرف للطلاب المتفوقين مكافأة مالية مجزية تشجيعاً على التنافس الشريف من اجل التزود بالعلوم والمعارف وكانت تصرف رواتب الاجازة الصيفية للطلاب مقدماً.
ويستطرد الجودي في حديثه عن الدار فيقول: في العام 1369هـ حددت سنوات الدراسة في دار التوحيد بخمس سنوات وفي العام 1372هـ تم منح خريجي السنة الثالثة منها شهادة الكفاءة وفي 1374هـ اضيف الى المناهج مادة الحساب والخط والجغرافيا التي كان يطلق عليها التقويم. وبدأ في هذا العام الاهتمام بتعليم الطلاب اللغة الانجليزية وفي العام 1382هـ ادخلت مادة الرياضيات في الصفوف الثلاثة الاول ثم ادخلت المواد المسلكية.
وفي العام 1383هـ زيد عدد سنوات الدراسة الى ست سنوات وتم فصل القسم المتوسط وتم تخصيص ادارة ومدرسين لكل قسم على حدة واضيف في نفس السنة مادة اللغة الانجليزية للقسم الثانوي. وفي العام 1398هـ تم توحيد مناهج دار التوحيد مع مناهج الثانوية العامة "القسم الادبي" من حيث المواد الاجتماعية واللغة الانجليزية والمواد المسلكية.
مباني دار التوحيد
ويشير الجودي الى ان اول مبنى استقبل في 1364 الفوج الاول من طلاب دار التوحيد ويقع في الجزء الاوسط الغربي من مدينة الطائف وقد استأجرته الحكومة من مالكه حمد بن سليم رحمه الله وكان في جزر منه مقرا لسكن الطلاب وفي احدى غرفه مقر للادارة وللدراسة ولما زاد عدد الطلاب تم استئجار المبنى المجاور له من الناحية الشرقية لنفس المالك ثم اضيف اليه المبنى الملاصق وهو ما عرف فيما بعد بالمهجع ثم نقلت الدار الى منزل ابو عرب الذي يقع في اول شارع خالد بن الوليد ويتكون من ثلاثة ادوار ولما زار الشيخ محمد سرور الصبان يرحمه الله طلاب دار التوحيد والتقى بهم اثناء الاحتفال الذي اقاموه له وكان قد اشترى قصر نجمة من ارث الاشراف وهو غير مكتمل البناء عمد الى اكماله وتقديمه لدار التوحيد بالمجان وكان ذلك في شهر ربيع الاول من العام 1379هـ وقد استغل فناءه الجنوبي الغربي واقيم عليه مبنى الثانوية وتم نقل متوسطة دار التوحيد لاستغلال مبناها مقراً لادارة التعليم حتى تم بناء مقرها الحالي ثم اعيدت المتوسطة الى مقرها السابق.
مديرو الدار
وقد تعاقب على ادارة دار التوحيد عدد من الاساتذة والمشايخ وتشير مذكرات دار التوحيد الى انه في عهد مدير المعارف الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع الذي اضيفت اليه مهام رئاستها اضافة الى كونه مدير المعارف العام الى انه عين معاونين احدهما ابنه احمد والآخر الشيخ عبدالملك الطرابلسي وقد تولى الاخير ادارتها والاشراف عليها ثم جاء بعده الشيخ محمد بهجت البيطار ثم الشيخ يسار محمد بهجت البيطار ثم الشيخ عبدالرزاق الجذيري ثم الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع ثم الشيخ عبدالملك عبدالقادر الطرابلسي ثم الاستاذ عبدالله الخزيم ثم الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن عيسى بن داود ثم الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله الزامل اما مديرو ثانوية دار التوحيد فهم:
طامي بن هديف البقمي, عبدالعزيز صالح الشايع, احمد بن صالح الشايع, فهد بن سعد الثبيتي, مهنا ماجد الفعر, عبدالباسط عبدالرحيم محبوب ولا يزال مديرا حتى اليوم.
مديرو دار التوحيد المتوسطة, عبدالله عبدالرحمن الزامل, عبدالرحمن الشويعر, عبدالله الشافي, سعد العدواني, ساير قطنان الجعيد, عبدالجبار الثقفي, صالح الجعيد, عبدالرحمن الثبيتي, فيصل رشيد قاسم ولا يزال على رأس العمل حتى اليوم.
طلابها من نجد والقصيم
ومن جانبه قال الدكتور سراج محسن الغامدي عميد كلية المعلمين السابق بالطائف واحد طلاب الدار القدامى ان معظم طلاب الدار كانوا من نجد والقصيم وكانوا يقيمون في مهجع خاص بهم حيث كان المهجع عبارة عن 40 غرفة يفصلها ممر في نهاية مسرح تقام فيه الحفلات يوم الجمعة من كل اسبوع وكان يحضر تلك الحفلات امير الطائف في ذلك الوقت عبدالعزيز بن معمر اضافة الى اولياء امور الطلاب والاهالي وكانت هذه الحفلات هي المتنفس الوحيد للاهالي حيث لم تكن هناك تلفزيونات ولا محطات اذاعية واضاف ان المهجع كان مخصصا للطلاب القادمين من خارج الطائف وكان يعمل في مطبخ الاعاشة عدد من الطباخين ويتم ايقاظ الطلاب لاداء صلاة الفجر وبعد الصلاة يقدم لهم طعام الافطار المكون من الفول والبيض ولبن الزبادي المصنع محلياً.
واضاف ان اليوم الدراسي كان يتضمن ست حصص تتخللها صلاة الظهر وكان المدرسون يحرصون على متابعة الطلاب في الوضوء واداء الصلاة واستطرد قائلا ان الشيخ الكفيف عبدالعزيز بن ربيع كان بصحبة شخص آخر بالمرور على الطلاب لاخذ الحضور والغياب حيث كان ابن ربيع شديدا في تعامله مع الغائبين وكان يؤنبهم ويفتح معهم نقاشاً عن اسباب الغياب.
واضاف ان معلمي المدرسة كانوا من الازهر وكان يتم التركيز على المواد الدينية والادبية وكانت المواد قوية وهي الان تدرس في كليات الشريعة حيث كان خريج المدرسة يحظى بثقة كبيرة من اولياء الامور في التعيين.
واضاف انه بعد ذلك افتتحت كليه الشريعة في مكة المكرمة لاستقبال خريجي دار التوحيد حيث كان المتخرجون من الكلية يعينون في سلك القضاء او في وزارة المعارف في ذلك الوقت.