-A +A
عزيزة المانع
جدة، مدينة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ عبر أكثر من ثلاثة آلاف عام، أحبها أهلها كما يحب أهل كل بلدة بلدتهم، فتغنوا بجمالها وشبهوها بالعروس، مرة يقولون عنها عروس البحر، ومرة هي عندهم عروس الحجاز. أغرم أهل جدة بمدينتهم فألفوا باسمها المؤلفات فكتبوا (سور جدة) و(فتنة جدة) و(جدة، أم الرخا والشدة) وناداها الشاعر العذب بدر بن عبدالمحسن لتغدق بعضا من عذوبتها على البحر فخاطبها مناديا (اسقي كل البحر، من طلك عذوبة).
من بين الذين غرقوا في هوى جدة كاتب استهواه التاريخ، فجند نفسه للتأريخ لجدة فكتب (حكايات العطارين في جدة القديمة) و(المعماريون في جدة القديمة) و(الأسطورة في مدينة جدة).

كتاب الأسطورة في مدينة جدة، للأستاذ عبدالعزيز عمر أبو زيد، كتاب طريف مسلٍ في حكاياته، فهو يضم كثيرا من الأساطير والخرافات التي ظل أهل جدة يتداولونها فيما بينهم عبر القرون الماضية، مثل أسطورة احتواء جدة على قبر حواء، التي أضفى تداولها على مدينة جدة شيئا من الأهمية في بعض مراحل التاريخ، فقد كان بعض الحجاج يفدون إلى جدة لزيارة قبر حواء ليسلموا على أمهم الأولى وينالوا بعضا من مباركتها لهم. ومثل أسطورة أصل تسمية حارة المظلوم في جدة، التي تقول إنه بعد أن نفذ حكم الإعدام على أحد الأشخاص ظلما، سقطت قطرات من دمه من جثته المعلقة فشكلت على الأرض كلمة مظلوم، وصار قبره مزارا تساق إليه النذور وتطلب منه الكرامات، كما كان المتخاصمون يفدون إليه لأداء القسم عنده، لاعتقادهم أن الكاذب منهم سيحل به سوء.
وهناك حكايات أخرى مثل حكاية (الدجيرة) التي يقال إنها جنية تقيم في أحد البيوت المهجورة في زقاق الخنجي فإذا جاء الليل خرجت إلى الزقاق تتصيد الشباب فإذا اقترب منها أحدهم احتضنته بجسدها المملوء بالأشواك القاتلة وامتصت دمه إلى أن يموت، فهي تعيش على مص دماء الشباب وذلك سر احتفاظها بشبابها وحيويتها إلى الأبد. وشبيه بالدجيرة حكاية (النمنم) الذي يقال إنه مخلوق متوحش في صورة إنسان، يعيش على أكل البشر، وهو يأتي إلى جدة من أفريقيا عبر السفن المحملة بالركاب في موسم الحج.
والكتاب يحتوي على حكايات كثيرة غير هذه يدخل بعضها ضمن الأساطير وبعضها ضمن الخرافة، لذلك كان من الأنسب أن تضاف الخرافة إلى عنوان الكتاب ليكون (الأسطورة والخرافة في مدينة جدة). فحكايات مثل الدجيرة والنمنم وأمثالها هي أقرب لأن تكون خرافة وليس أسطورة، فالأسطورة، وإن كانت تحفل بالأكاذيب، إلا أنها غالبا تستند في أصلها إلى حقيقة تاريخية، كما هو الحال في أسطورة وجود قبر حواء في جدة، أو قبر المظلوم، أما النمنم والدجيرة وأشباهها، فهي وليدة خيال محض ليس لها أي أصل تاريخي.
]
azman3075@gmail.com