-A +A
علي بن محمد الرباعي
في زمن ما قبل الطفرة، لم يكن (بو عصاة) كثير مال، وليس له عيال، هو أقرب إلى الصعلكة (ثوبه وعمامته وقامته وعلى الله سلامته). لم تكن القرية تقيم له وزنا، خطب في أكثر من بيت فكان الرد «لا أنت من ثوبنا ولا نحن من ثوبك أخشعك الله»، فتزوج سيدة أكبر منه سنا طمعا في إرثها من أهلها، لم تنجب له، وكان إذا اختلف معها يستحضر المثل «صاح الله على من يأخذ العوراء من أجل مالها؛ المال يفنى والعويرة مكانها». يبات في وادٍ ويصبح في آخر. ويتحرى سائقي الشاحنات ليركب معهم متنقلا بين الفيافي والقفار طلبا لسعة الصدر، وقصائد الشعر، وشرحة الخاطر. وكان مغرما عندما يصلي بقراءة سورة الانشراح «ألم نشرح لك صدرك» أحيانا يضع المتكأ على يساره ويمدد رجليه، ويرفع نظره إلى السماء ويقول «الحمد لله الذي شرح لي صدري، وإن لم يرفع عند البشر قدري» كثيرا ما تلازم كفه اليمنى عصاة طويلة، وعندما سأله أحدهم «ليش عصاتك طويلة»؟ أجاب: «أعرف قدري عند الكلاب».
جاءت الطفرة بالمشاريع، اخترقت الطرق أملاكا عدة في القرية منها أملاك زوجته المغلوبة على أمرها، عاد يتودد لها، ويعتني بها، وظفر بوكالة عامة، تخوّله بالتصرف بيعا وشراء وقبضا وإفراغا، فاستلم ملايين الريالات تعويضا، وتزوج ثانية بامرأة شابة، وبحكم تقدمه في السن، وغلبة البياض على السواد كان ينسدح بين زوجتيه، فتنتف الأولى الشعر الأسود لتقنعه أنه بلغ من الكبر عتيا، فيما تنتف الصغيرة الشعر الأبيض لترضي غرورها بأن زوجها لا يزال فتوة، وإن كانت مؤمنة بأن الشيب ليس عيبا، وما يعقلها إلا شايب، وكل ما سأله أحدهم عن لحيته قال «بين حانا ومانا باحت لحانا».

ذات مساء، وضع في جيبه عشرين ألف ريال وقصد معارض السيارات، واختار عراوي غمارتين، وطلب من صاحب المعرض أن يوجهها في الطريق العام، اقتعد وراء المقود وكبس دواسة البنزين فانطلقت به، في نزول رغدان انحرفت به من فوق ردمية وهو يردد (وقفي يا معثورة) علمي وسلامتكم.