-A +A
علي حسن التواتي
حينما طالبنا لأكثر من عقد من الزمان بتوطين مدينة اقتصادية في منطقة الحدود الشمالية لتصنيع الفوسفات والغاز والمعادن الأخرى المكتشفة هناك كان همنا الأساسي هو هم ولاة الأمر وكافة المخططين لمشروعات التنمية المناطقية في تسهيل الحياة على المواطنين وإقناعهم بجدوى البقاء في المناطق الحدودية لإعمار البلاد وتعميق الشعور بالمواطنة والانتماء.
ولذلك حينما اعتمد خادم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- توطين مدينة اقتصادية في (أم وعال) قرب طريف، أسماها (وعد الشمال)، لأنها كانت بالفعل نتيجة وعد قطعه لأهالي المنطقة أثناء زيارته لعرعر عاصمة المنطقة في 20 ربيع الآخر 1428هـ الموافق 7 مايو 2007م بإيصال مشاريع التنمية الكبرى للمنطقة تعويضا للمواطنين السعوديين فيها بعد فقدهم لخط التابلاين ومكافأة لهم على صبرهم وإصرارهم على البقاء في منطقتهم وإحيائها رغم افتقارها لزمن طويل لأي مقوم من مقومات التنمية.

ولكن يبدو أن توجهات جديدة طرأت على قيادة شركة معادن التي هيمنت على مدينة الوعد لتبتعد عن المنطلقات التي بنيت عليها. فأصبحت تتعامل مع أهالي المنطقة بإهمال واضح.
فلم تكتف الشركة بالاعتماد على مؤسسات وشركات من خارج المنطقة في كل أمورها فحسب، بل أبدت بوضوح عدم رغبتها في تأهيل وتوظيف أبناء المنطقة. فبعد أن تم إنشاء المعهد السعودي التقني للتعدين بعرعر ليستقطب أكثر من 200 طالب من أبناء المنطقة من خريجي الثانوية العامة لسنة 1435هـ تم تحويلهم إلى معهد ينبع التقني للتعدين في ينبع الصناعية وإلى معهد الجبيل. وبعد استكمال دراستهم كطلاب مغتربين على مدى سنة كاملة ضمن برنامج (مبادرة) صرفت لهم خلالها مكافآت شهرية ضئيلة لم تتجاوز 2500 ريال بما فيها السكن، تم توقيعهم على إخلاء طرف من المعهدين من غير أن يسلموا أي وثيقة تثبت اجتيازهم أو حتى حضورهم للبرنامج التدريبي. وحتى توجيههم بمراجعة معهد التعدين في عرعر تم بشكل شفهي لتصلهم بعد عدة أيام رسالة نصية على هواتفهم الجوالة كالتالي:
عزيزي الطالب:
يسرنا تهنئتكم بإتمام برنامج «مبادرة»، ونأمل مراجعة معهد التعدين في عرعر لإجراء اختبار القبول في اللغة الإنجليزية والمقابلة الشخصية، عند الساعة الثامنة صباحا من يوم السبت 21 ذو القعدة 1436هـ.
«فريق برنامج مبادرة» يتمنى لكم دوام التوفيق.
وفي معهد التعدين في عرعر تم إجراء اختبار قبول آخر للمتخرجين في معهد التعدين بعرعر بتاريخ 21/11/1436هـ ما أثار شكوكهم لأنهم كانوا مقبولين سابقا ونفذوا ما عليهم من التزام بحضور البرامج التدريبية في ينبع والجبيل.
ومازال هؤلاء الشبان الصغار يتساءلون عن مصيرهم وما يراد بهم من خلال ما يجري؟ وما يجري بالفعل غريب جدا! فكيف يستقبل معهد التعدين في عرعر الطلاب ثم يوجههم إلى معاهد أخرى بعيدة؟ فإذا ما كان معهد التعدين في عرعر غير جاهز للتدريب الفني فلماذا يضع هذه اللوحة الكبيرة على الشارع الرئيسي؟ ثم من أوعز لتلك المعاهد التي نفذت البرامج التدريبية للطلاب بعدم تسليمهم أية وثيقة تثبت إكمالهم للبرنامج التدريبي على مدى سنة دراسية كاملة من أعمارهم فقدوا خلالها الفرصة بالانضمام إلى أية برامج تعليمية جامعية أو بعثات أو غيرها من الفرص التي تتيحها حكومتنا الرشيدة لأبنائها المواطنين؟
ولذلك أرى أن هناك حلقة مفقودة ومعلومة غائبة في مجمل القضية. ولكن ما يهم المسؤول والمراقب هنا هو مصير الشباب والأجيال الصاعدة المستهدفين بالتنمية المناطقية إذا ما حرموا من التدريب والعمل فيها. وهذا يدفعنا لطرح تساؤل منطقي بشأن المعايير التي تعتمدها الشركات العاملة في بلادنا في التعامل مع القوة العاملة المحلية التي هي ضئيلة بطبعها من حيث العدد والتأهيل؟ هل معيار الربح والخسارة هو الغالب في مجمل الاستثمارات سواء منها المناطقية أو غيرها؟ أم أن هناك معايير أخرى للمناطقية على وجه الخصوص؟
ولذلك يؤسفني في الختام أن أقول إن الشركات التي يغلب على قيادتها العنصر الوطني هي أحيانا أقل الشركات إحساسا بالمواطنين وبأهداف ونوايا القيادة العليا للبلاد في تنمية المواطن في المكان الذي يقيم فيه من منطلق أن مواطنينا سواء وأرضنا واحدة.
وحتى لا أتهم بالتجني على الشركات الوطنية أذكر بأن شركة التابلاين التي أسهمت في بناء مدن الحدود الشمالية اعتمدت في معظم أعمالها على مواطنين محليين في تلك المدن رغم أن العديد منهم لم يعرف القراءة والكتابة باللغة العربية، إلا أنهم أجادوا اللغة الإنجليزية والمهارات الفنية في أداء الأعمال من خلال برنامج التدريب على رأس العمل الذي كانت تنفذه الشركة في محطاتها. وبالمقارنة، ماذا قدمت معادن لمدن المنطقة حتى هذه اللحظة؟ وماذا قدمت شركة بترولاين للقرى والمناطق التي تمر بها من الشرق إلى الغرب أيضا. ألا توجد جهة تراقب كل هذا وتتأكد من التزام مثل هذه الشركات ببرامج المسؤولية الاجتماعية التي أصبحت إلزامية في هذا الزمن ولا تقدم على سبيل الصدقة والإحسان؟