-A +A
عيسى الحليان
على مدى نصف قرن ظل الاقتصاديون ورجال المال الرسميون يدندنون حول التدابير الاقتصادية والمالية التي ينتهجونها والتي تتبعها البلاد وذلك بمناسبة ومن دون مناسبة، ولا تخلو تقارير هذه هذه المؤسسات الاقتصادية والمالية (الرسمية) التي يتربعون على هرمها من ديباجة طويلة إنشائية وعاطفية تمجد هذه السياسات لكن حساب «البيدر» ظل دائما مختلفاً عن حساب الحقل كما يقال وعلى مدى عقود.
فبالرغم من التقارير والأبحاث التي تصدرها جهات محايدة (غير رسمية) كالمؤسسات والمنظمات ومراكز الدراسات العامة والخاصة في الداخل والخارج والتي تشير إلى عدم نجاح هذه المؤسسات الرسمية في إحداث تغيير ولو طفيف في سلة مكونات دخلنا الوطني بالرغم من كل هذه المزايا والإمكانيات الكبيرة والتي ظلت صامدة عند مستوى 90% لصالح النفط، وبالتالي لم تستطع هذه المؤسسات العميقة كسر حاجز هذه النسبة على خلاف دول نفطية مجاورة استطاعت إحداث التغيير رغم تباين الميز النسبية واختلاف المكون التاريخي والتي تميل لصالحنا بشكل لا يقبل المقارنة، وهذا هو كشف الحساب الحقيقي عن كفاءة هذه المؤسسات ومدى نجاحها في إدارة هذه الموارد المالية والاقتصادية للبلاد.

ورغم كل ما يطرح وما يقال، فإني أعتقد بأن تحقيق تنويع اقتصادي حقيقي أمر صعب ـ إن لم يكن مستحيل ـ وهذه هي الحقيقة التي يجب أن نعترف بها ونسلم بها بعيدا عن هلامية هذه التقارير ، لأن ثمة تدابير وترتيبات إدارية تنظيمية وتشريعية ومؤسسية على مستوى هرمي آخر تسبق مثل هذه التدابير المالية والاقتصادية بل وتمهد لها وهي ما لم تتحقق حتى الآن وبالتالي فإن مؤسساتنا التي تضطلع بهذا الدور بوجهها المباشر وصيغتها الإدارية والهيكلية الحالية منفصلة أساسا عن سياقاتها ومقدماتها الموضوعية وبالتالي غير قادرة ولا مؤهلة أصلاً على إحداث هذا الفارق وهذا هو التفسير الحقيقي لإخفاق هذه الخطط ، ولذلك فإن إحداث أي تحسين ما في طبيعة الجينات الوراثية لمؤسساتنا العامة وهياكلها الإدارية والأنظمة العمومية المرتبطة بها والتي تجري مجرى الدورة الاقتصادية والمالية للبلاد و ترتبط ميكانيزميا بمفاصل سياسية واجتماعية وثقافية يشكل الشرط الموضوعي الغائب أو المغيب لهذا الهدف الذي تدور حوله كل الخطط المالية والسياسات الاقتصادية دون أن تستطيع تحقيق اختراق في جداره الصلب منذ نصف قرن.