-A +A
أحمد عجب
يحكى بأن رجلا كان يشكو من أن زوجته لا تسمع جيدا، لهذا قرر بأن يعرضها على طبيب أخصائي للأذن بسبب ما يعانيه من صعوبة في القدرة على التواصل معها، وبعد مراجعته للعيادة وشرح مشكلته المستعصية، أخبره الطبيب بأن هناك طريقة تقليدية لفحص درجة السمع عند الزوجة وهي بأن يقف الزوج على بعد 40 قدما منها ويتحدث معها بنبرة صوت طبيعية، فإن لم تستجب له اقترب 30 قدما، وإن لم تستجب له اقترب 20 قدما، وهكذا حتى تسمعه، وفي المساء دخل الزوج البيت ووجد الزوجة منهمكة في إعداد طعام العشاء في المطبخ، فقال في نفسه : الوقت مناسب الآن كي أعمل بنصيحة الطبيب المعالج.
ذهب الزوج إلى صالة الطعام ووقف على بعد 40 قدما منها، ثم أخذ يتحدث بنبرة عادية وسألها: يا حبيبتي.. ماذا أعددت لنا من الطعام ؟، لكنها لم تجبه، ثم اقترب 30 قدما وكرر عليها نفس السؤال : ولم تجبه، ثم اقترب 20 قدما وكرر عليها نفس السؤال، ولكنها أيضا لم تجبه، ثم اقترب 10 أقدام وكرر عليها نفس السؤال : ولم تجبه !! ثم وقف خلفها وكرر عليها نفس السؤال: يا حبيبتي.. ماذا أعددت لنا من الطعام ؟، فقالت له : يا ولد الحلال أنت ما تسمع، للمرة الخامسة أجاوبك.. صينية دجاج بالفرن !!.

هذا الرجل لم يكن الوحيد الذي يعتقد جازما بأن المشكلة دائما في الزوجة، بل هناك الالاف المؤلفة مثله، دائما ما يرون بأنهم معافون من كل خطأ وقصور، وأنه إذا ما كان هناك شقاق بين الزوجين أو خلل في تربية الأبناء فهو عائد بكل تأكيد إلى أن (الزوجة ما تسمع الكلام) أو (الزوجة راعية نكد) أو (الزوجة لا تهتم بنفسها) في الوقت الذي يعود فيه الزوج للمنزل في ساعة متأخرة ليبحث عن مشكلة وينقل فرشته للمجلس، وإذا تفضل على أهله وجلس بالبيت تلاقيه يتبطح قدام التليفزيون ــ بسروال وفنيلة ــ يقلب بالقنوات ونفسه واصلة طرف خشمه !!.
أنا كرجل وكزوج لا أنكر بأن مشاغل الحياة والجري المتواصل طوال ساعات النهار من أجل توفير لقمة العيش وتوفير الاحتياجات والكماليات الضرورية للأسرة، قد تضعف كثيرا من اهتمام الواحد منا بواجباته داخل البيت، فالواحد منا في مملكته الصغيرة هذه يريد أن يفرض قوامته، وأن يأخذ راحته على الآخر بدون تكلف أو رسمية، لا يريد لأحد أن يكسر كلامه وإن كان على خطأ، لا يريد لأحد أن ينتقده أو يبدي عليه أدنى ملاحظة !!.
القصور كله من تلك التي تصحو مع الأذان لتجهـز الاولاد للمدرسة ثم تراجع معهم الدروس وتحل واجباتهم ثم تصنع الطعام وترتب البيت وتعتني بالمريض وتصلي من أجل الغائب، القصور كله من تلك التي تقف الان في مطبخها تكفكف دموعها وتتظاهر بأنها لا تسمع التجريح والإساءة الموجهة إليها، القصور كله من تلك التي دائما ما تقول في نفسها : خلوني أنا المخطئة والمريضة والمستهترة والمبذرة .. المهم انكم بخير ومالين عليه حياتي. فإلى متى ونحن معشر الرجال نوجه لهذه الإنسانة سيل التهم الباطلة لنرفع عنا القصور ونحمي سقف كبريائنا وغطرستنا ؟!..