-A +A
علي فقندش (جدة)
طلال مداح وغازي علي من أجمل ما جادت به مرحلة الستينيات الميلادية في حياتنا الفنية والاجتماعية، هذا الثنائي الجميل أبدع أغنيات ثلاث دخلت تأريخ الغناء المحلي من خلال حنجرة ووجدان طلال مداح إلينا جميعا، لتكون أغنيات خالدة وهي كذلك بلا شك بعد أن أضحت من كلاسيكيات الغناء السعودي.
ولأغنيات الموسيقار غازي علي دوما أو في الغالب قصص واقعية النص والقصة مثل: «سلمى ياست الحلوين»، «على البحرين»، وغيرها من الأغنيات التي سنتحدث عنها مستقبلا.

أما الأغنيات الثلاث التي جمعت طلال بغازي فكانت منذ عهد الأسطوانات البلاستيكية: «لا ياحبايبي» التي قدمها طلال في فيلم «شارع الضباب» لصباح ومن أشعار ميشيل طعمة والتي يقول مطلعها:
اسمحوا لي أقولكم.. مش ده كلام ينقال
حتى لو كلكم كنتم «عدا» وعزال.
ثم كانت أغنيتا، «أسمر حليوة» وهي التي كتبها بابا طاهر زمخشري ولها قصة تروى طويلا عندما يكون الحديث بصددها مستقبلا، و«سلام لله» وهي موضوعنا اليوم.. الأغنية والألحان لغازي علي وهي وليدة العام 1962، عندما كان غازي علي يدرس الموسيقى في القاهرة، وعندها كان قلب غازي مفعما بحب المراهقة الذي فيه بعض من «الجد» وهنا يحكي لنا غازي قصة هذه الأغنية إذ يقول:
- في ذلك العام وأثناء دراستي في المعهد الموسيقي، كان لا بد وأن أعيش مراهقة الشبان وكنت أسكن في الجيزة مقابل شارع ابن الأزد أمام كرمة «ابن هانئ» فيلا أحمد شوقي وهناك سكنت والوالدة وشقيقتي وأبناؤها لمدة شهرين فقط، وكنت كلما فتحت شباكي اصطدم بآنسة رائعة الجمال بالسحنة المصرية الخاطفة للأذهان من خلال شباك الشقة المقابلة لنا بالدور الثالث، وأحببت وغازلت وكنت أواصل إلى الدرجة التي كانت ستتحول فيها مراهقتي إلى «جد»، وحصل أن انتقلنا في السكن إلى السكن في «العجوزة» وتحديدا شارع شاهين وبعد استقرارنا لعامين تقريبا، وأنا أفتح الشباك إلا وهذه المخلوقة نفسها التي لم يبرح خيالها ذهني ووجداني هي التي تطل من الشباك المقابل مع تغيير كبير لكونها حاملة رضيعها «أي أنها تزوجت» الأمر الذي جعلني أضرب الحسابات أخماسا في أسداس، ولكني اعتبرت أنه من الممكن أن يكون الرضيع شقيقها مثلا أو ابن أخيها.. أختها لأجد لي مبررا للمواصلة.
في اليوم التالي صباحا وأنا نازل من البيت متجها إلى المعهد إلا وأقابلها تدفع طفلها «بعربية الأطفال» وبشقاوتنا نحن الشبان ومراهقي أهل المدينة المنورة قلت لها:
«سلام لله ياهووو»، أعجبتني الكلمة التي رميت تلقائيا وأخذت أعمل عليها بنص غنائي يصور الحالة التي أعيشها وظللت أكتب وأكمل الصورة فخرج معي المذهب للنص:
سلام لله ياهاجرنا في بحر الشوق وماله قرار
خسارة البيت جوار بيتنا ولا ترعى حقوق الجار
ثم لحنته في يومين عند اكتمال النص وذلك في مصر، ثم جاءت فكرة أن نلتقي أنا وطلال مداح وبابا طاهر زمخشري في بيروت التي كان طلال يسجل فيها أعماله لأسجل أنا أغنياتي الجديدة يومها هناك، كان ذلك بعد عامين لحنت خلالها أيضا في مصر «أسمر حليوة»، أي في العام 1964، التقينا هناك ومعنا يومها منتج الأسطوانات السعودي الشهير من المنطقة الشرقية عبدالله حبيب صاحب «توزيعات الشرق» والتقيت في حديث عابر مع طلال في أحاديث حول جديده الذي يسجله هناك، وبالمقابل طلب أن يعرف ماذا أريد أن أسجل بصوتي فأسمعته «سلام لله» التي كنت قد كتبتها لأقدمها بصوتي، أصر طلال أن تكون الأغنية له وبصوته قائلا: لا هذه لي هذه أغنيتي، قلت تفداك وبعدها وأنا أسمعه أغنية بابا طاهر زمخشري «أسمر حليوة» التي كنت قد لحنتها للمطربة سلامة التي اتفق معها بابا طاهر أن تكون الأغنية لها، قال طلال لا وهذه أغنيتي «يابوي ابن البلد أولى بخيرها» قلت فداك «وأذكر يومها كان طلال مع حرمه أم عبدالله» الست عائشة خزام «وهي حامل به». أي أن ميلاد أول أبنائه عبدالله كان مع مولد الأغنيتين. المهم قلنا «سهالة» ودخلنا ستوديو جورج شلهوب بقيادة المايسترو الكبير عبود عبد العال ـ رحمه الله ـ وهو الأستوديو الذي كنا نسجل فيه معظم أعمالنا السعودية، وكان أشبه بخلية نحل فسجلنا أغنية الفيلم «اسمحوا لي» كلمات ميشيل طعمة.
•إحك لنا عن الاستوديوهات وتسجيل أعمالكم وأبرزها هناك في الستينيات؟
•• كان أكثر ستوديوهات بيروت في الستينيات شاهدا على أعمالنا ستوديو شلهوب وستوديو بعلبك الذي سجلت فيه الكثير من ألحاني مثل الأغنيتين بصوت الكبير الراحل وديع الصافي «يانسيم ياللي رايح» و «ياليالينا الجميلة» وهذه الأخيرة من كلمات بابا طاهر زمخشري، وفي العام 1967 سجلت فيه لسميرة توفيق «ياشجرة الجنزبيلة»، كلمات بابا طاهر و «أجري ياموج» كلمات عبدالعزيز سلام وبصوت ماهر العطار. وأذكر أن هناك التقيت وقتها لأول مرة بعبادي الجوهر الذي كان يجلس في الكنترول مع أخيه الذي يكبره عبدالرحمن ـ رحمه الله ـ، وكان عبادى فتى صغيرا يسجل بعض أعماله هناك وكنت قد تعرفت على صوته وأنا أدرس في القاهرة دون أن ألتقي به.
ومن الجدير إيراده هنا أنني كنت مع طلال مداح قبل رحيله بنحو أعوام أربعة في منزله مرة نتحادث عن الأمسين القريب والبعيد في الفن ومشوار زمالته مع أهل الفن، وكما هي عادته كل ما جئنا على ذكر أحدهم يباغتني بـ«ياهو فين فلان» كان السؤال عن غازي قلت له قبل أيام كان معي مع أصدقاء على عشاء «سليق بيتي» على شرف المطربة الأوبرالية المصرية «مي» التي كانت تزور المملكة قال خلاص كلم غازي.. اتصلت وتحادثا طويلا واتفقنا ثلاثتنا أن السليق سيطبخ عندي في البيت ونجتمع في بيته وحصل أن اجتررنا الحديث المرتبط بذاكرة الأمس بتلك الأغنيات وتحديدا سلام لله.