-A +A
خالد عباس طاشكندي
عندما خرجت بريطانيا العظمى من الحرب العالمية الثانية، كانت مدمرة من جميع النواحي، لذلك اتخذت قرارات اقتصادية تقشفية صارمة، بلغت شدتها إلى درجة تحديد كمية الخبز والسكر التي يستهلكها المواطن البريطاني، ففرضت عليه ملعقتي سكر من الحجم الصغير في اليوم الواحد، وفي العام 1948 زار وزير خارجية بريطانيا آنذاك «أنطوني إيدن» مصر واستضافه الملك فاروق وحين قدم لضيفه الشاي كان الخادم يهم بوضع ملعقتين من السكر، فصده الوزير البريطاني طالباً منه الاكتفاء بملعقة واحدة فقط، موضحاً بأنها ستفسد عليه ذوقه وطباعه، وقال حينها «نحن في بريطانيا لا نأخذ إلا ملعقة واحدة صغيرة، ونحن نفعل هذا حتى نوجه إمكانياتنا في إعادة بناء بلادنا».

وبعد الحرب العالمية الثانية أيضاً تدمرت دول عظمى أخرى كألمانيا واليابان اللتين أصيبتا بأبشع أنواع الخسائر والدمار، ولكن هذه الدول لم تنهرْ بل انتفضت لتنهض من جديد من تحت الأنقاض لتعود للصدارة في جميع الأصعدة، ولكن مقابل ذلك فرضت خططاً تقشفية قاسية، فعندها حاولت ألمانيا واليابان الاستفادة من إقراض الولايات المتحدة لها بعد الحرب وفقاً لخطة الجنرال جورج مارشال، ولكن مقابل تلك القروض فرضت على نفسها سياسات اقتصادية تقشفية وضرائب قاسية على كافة الشعب من أجل إعادة الإعمار والبناء، وبذلك بدأت ألمانيا واليابان في العودة تدريجياً لاستعادة قوتها، وبدأت تركز في زيادة الإنتاج المحلي الصناعي ومكافحة السوق السوداء والفساد بكافة أشكاله، إلى أن أصبحت اليابان وألمانيا في مقدمة الدول الصناعية والاقتصادية المتطورة وتقود اقتصادات العالم، وقد أدّت الخطط الإستراتيجية النهضوية التي وضعتها ألمانيا بعد كارثة الحرب العالمية إلى وصف صحيفة التايمز الأمريكية للنهضة الألمانية عام 1950 بالمعجزة الاقتصاديّة، أما اليابان فيعجز التعبير عن وصف نهضتها وتطورها.


وفي القرن التاسع عشر ابتليت الصين وشعبها بآفة إدمان الأفيون، ملايين المدمنين على الأفيون، حتى الأطفال انتشر بينهم إدمان الأفيون، وكان هذا المخدر يباع على أرصفة الشوارع بلا حسيب ولا رقيب، فغالبية الشعب انغمس في استهلاك الأفيون وأصبح يعاني من هذا الإدمان إلى درجة تفوق الوصف؛ إذ كان الفقراء يصرفون ما توفر لديهم من المال على المخدرات بدلاً من الأكل، وباع الكثير من الصينيين أطفالهم من أجل الحصول على الأفيون، إلى أن قرر الزعيم الصيني ماو تسي تونج إعلان حرب ثورية على الأفيون عام 1949، ووفقاً لرؤية وخطة وعزيمة صارمة استطاعت الصين في غضون 3 سنوات فقط أن تحقق معجزة بالقضاء على الأفيون، فبحلول العام 1952 لم يعد هناك مدمنون ولا باعة ولا مروجون، وانتهت زراعة الأفيون وتهريبه إلى الصين تماما، بالتأكيد أنها كانت مرحلة قاسية جداً وبالغة التعقيد، ولكنه إنجاز عظيم، لقد انتهت الصين من ذلك الكابوس المدمر منذ 65 عاماً، والآن أصبحت دولة عظمى.

لقد عانت هذه الشعوب العظيمة كي تنال مرادها وتحقق طموحاتها، فالشعب البريطاني والشعب الألماني والياباني والصيني، هذه الشعوب قست على نفسها حتى في الأشياء الضرورية كالأكل والشرب مقابل أن تحقق رؤاها وطموحاتها، لذلك عودوا إلى التاريخ وانظروا كيف كانت وكيف أصبحت هذه الدول العظمى الآن.

بالنسبة لنا في السعودية وفي دول الخليج، نحن أدمنا على حياة الاقتصاد الريعي، فلا نصنع ولا نزرع ولا ننتج شيئاً، نحن فقط مستهلكون، وكل ما لدينا هي هبة النفط الإلهية، وإذا نضب النفط أو فقد قيمته، سوف نقاتل بعضنا البعض لما سيحل بنا من الفقر والجوع والعطش، هذه هي الحقيقة، فنحن إلى ما قبل الشروع في خطة التحول الوطني ورؤية 2030، أشبه بفراخ الطيور التي تنتظر في العش فاغرة أفواهها حتى تأتي الأم لإطعامهم.

وكل ما سبق، أوجهه للممتعضين والمتذمرين من عوائد «حساب المواطن» وكل من شارك في هاشتاق «حساب المواطن 300 ريال» وهاشتاق «المواطن يساوي 300 ريال»، لأذكرهم أن نهضة الشعوب ورغد عيشها ورفاهيتها لا تأتي بالتمني وبلا ثمن وتعب وجهد ومعاناة وشقاء، (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).

ktashkandi@okaz.com.sa

khalid_tashkndi@