-A +A
محمد الأهدل (جدة) ralahdal@
«رحيل أبو أصيل يهد قلب الكبير».. رددها في اليومين الماضيين كثير من الأدباء وعشاق الفن الجميل وهم يودعون الفنان أبوبكر سالم، والحسرة تتملكهم على رحيل قامة قد لا تتكرر بسهولة، لما عرف عنه من مواهب أدبية وفنية وثقافية متعددة، وقدرته على توظيف المواقف والأحداث داخل السياقات الشعرية، رغم صعوبة تلك المهمة وأهميتها، فتفاعل المتلقي مع القصيدة يتناسب طرديا مع قدرة الشاعر على تحريك قريحته لتذرف أبياتا تجسد ذلك الموقف بدقة، تماما كما فعل أبو أصيل حين كتب قصيدة «عادك إلا صغير، بدري عليك الهوى»، وبدأت قصة تلك الأغنية الخالدة حين شاهد رفيق دربه الشاعر الكويتي فائق عبدالجليل رحمه الله، أصيل ابن أبو بكر، وهو طفل في التاسعة من عمره في سبعينات القرن الماضي، يتحدث إلى إحدى الفتيات في شارع جامعة الدول العربية في القاهرة، فأخبر والده بما رآه على سبيل الدعابة والطرافة، فأسدى الأب للابن النصيحة، فكانت الشرارة لنص فاضت به قريحته، تغنى به كثير من الفنانين العرب.

لم يكن أبو أصيل شاعرا فحسب، بل كان متعدد المواهب، أظهر نبوغا مبكرا في اللغة العربية، وتميزا في تدريس النحو والصرف في حضرموت خلال السنوات الثلاث الأولى من حياته العلمية، إضافة إلى ما حباه الله من صوت مميز وآسر، مكنه من حصد جائزة منظمة اليونسكو كثاني أفضل صوت في العالم، امتلك أداء عاليا وبصفة دائمة في مجالات الموسيقى والفنون والقيادة الاجتماعية وطرق التعبير المختلفة، وتفكير ابتكاري خلاق.


رحل أبو أصيل تاركا للمكتبة الفنية والأدبية في الوطن العربي والعالم أجمع مقطوعات وأعمالا موسيقية وثقافية قيمة، تدرس للأجيال، رحل مخلفا حسرة على قامة قد لا تعوض، ولكن سنتمسك بكثير من الأمل و«يا عين لا تذرفي الدمعة مادام لك في الأمل شمعة».