-A +A
خالد عباس طاشكندي
بعد عقود من الخرافات والخزعبلات المتداولة عن ظاهرة «طريق وادي الجن»، فسر أخيراً الباحث المتخصص في مجال الآثار والجغرافيا تركي القهيدان، أسباب صعود المركبات عكس الاتجاه عند تحرير الكوابح في منحدر الطريق المعروف بمسمى «وادي الجن» في منطقة البيضاء بالمدينة المنورة وفي غرب الهدا بين مكة والطائف، موضحاً لـ «عكاظ»، أن هذه الظاهرة هي عبارة عن «خداع تضاريسي»، يشبه الخداع البصري لظاهرة السراب، وأنه توصل لهذه النتيجة بناء على دراسة ميدانية توصل من خلالها إلى هذه النتيجة، وفي رواية علمية أخرى، فسرت ظاهرة معاكسة الجاذبية عند منحدر الطريق بأنها نتيجة للتلال المغناطيسية المحيطة بالمنطقة التي تتسبب في اختلاف سلوك الجاذبية الأرضية عن المعتاد.

نقدر هذه الآراء العلمية في تفسير ظاهرة «وادي الجن» فهي جاءت لتضع حداً لما خلفه لنا ثلاث فئات من الناس على مدى عقود وسنوات عديدة من قصص مفبركة وأكاذيب أملا في تحقيق عدة غايات مختلفة، وفي مقدمة هؤلاء يأتي بعض رواة التاريخ والقصاصين الذين بالغوا في نقل قصص نسجت من وحي الخيال، على غرار ما حيك من قصص غريبة منذ الجاهلية إلى يومنا هذا عن «وادي عبقر» في نجد الذي يسكنه شعراء الجن، ولذلك إن أردت أن تكون من النوابغ في الشعر فعليك أن تبيت في وادي عبقر فهناك يأتيك شعراء الجن ليلقنوك الأبيات الشعرية الملهمة على غرار امرئ القيس والأعشى، وهؤلاء ينطبق عليهم قول الإمام شعبة بن الحجاج «يأخذون الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا».


أما الفئة الثانية، فهم بعض دعاة الصحوة الذين استغلوا ظاهرة «وادي الجن» لممارسة «الوعظ بالأكاذيب»، فنسجوا لنا العديد من القصص الخيالية عن مصائر بعض مرتكبي المعاصي الذين حلوا بوادي الجن فأتاهم ما يستحقون على أيدي الجن التي تلبستهم هناك، أما الفئة الأخيرة فهم بعض المحتالين من سائقي الأجرة والباصات وسماسرة الإرشاد السياحي للمعتمرين الأجانب الذين يروجون لشائعات مفبركة عن ما يجري في تلك المنطقة لدرجة أنهم يختلقون وينسجون قصصاً خيالية ويربطونها بالسيرة النبوية لجذب زيارة المعتمرين لها بهدف التربح المادي.

وبسبب هؤلاء، أصبح السائد لدى العامة والدهماء على مدى عقود أن هناك نفرا من الجن من سكان ذلك الوادي ينتظرون توقفك على قارعة الطريق فيتجهون نحو المركبة ويقومون بدفعها لإبعادها عن منطقتهم، وإياك أن تقف هناك وأنت على غير طهارة أو مرتكب للمعاصي، فقد سمعنا عشرات الروايات نقلاً عن بعض الدعاة هداهم الله، ولا داعي لإعادة تلك الطروحات المخجلة، فهي وإن كان البعض يعتقد أن غاية البعض من الترويج لها نبيلة إلا أنها في مجملها أدوات لتجهيل المجتمعات، فقدت قيمتها والثقة في من روّجها مع التوسع في التواصل المعرفي والعلم وبرامج الابتعاث الخارجي.

ولهذا نقول.. في حضور العلم لن يكون هناك متسع لما يروّج وينسج من أكاذيب وقصص بهدف التأثير على عقول الناس وتجهيلهم وربما اقتيادهم كالخراف لتحقيق ما يسعى إليه البعض في تنفيذ أجندات للإرهاب والتطرف، حتى الجن سيجدون أنفسهم ومن يروّج لهم من بعض «الرقاة» عاطلين عن العمل، فلن يجدوا من يتلبسونهم، ولذلك يردد الحكماء «العلم هو الخير والجهل هو الشر».

ktashkandi@okaz.com.sa

khalid_tashkndi@