-A +A
خالد صالح الفاضلي
يتم رسم حدود الدول بالدم -غالباً -، لم يرسمها مطر وماء، ولا أماني جبناء، بينما الحفاظ على الأمم مهمة علنية أو سرية يقوم بها مهندسون متخصصون ببناء، تطوير، وحماية الأمم من الانهيار، أو الترهل.

يأخذ مهندسو الأمم أدواراً مماثلة لمهندسي الكيمياء، مهمتهم وزن معايير بين عدة عناصر مختلفة وصولاً لغاية واحدة، وهي أمة نامية، متماسكة، قابلة للحياة زمناً أطول.


تتداخل درجة الصهر مع الزمن كيميائياً في خلق نتائج مختلفة (إيجاباً أو سلباً) في حال ثبات حجم العينات ونوعها، وحالتها، وبينما تأخذ الأزمات الاقتصادية، أو الإرهاب، البطالة، والانفلات الأمني مكان الصهر في معادلات هندسة الأمم، فإن الصبر مكان الزمن.

يتصف مهندسو الأمم بالندرة، وجوداً وميلاداً، لغتهم صمت، في دهاليز حكومات ودول، يأكلون الكتب وتقارير الإحصاءات أكثر من الزاد، ينامون بين هموم بلادهم أكثر من النوم بين أولادهم، وعيونهم تنتمي إلى زرقاء اليمامة، بعداً ودقة.

يبنون وطناً يعيش فيه أولادهم وأحفادهم، يخشون الموت ليس حرصاً على حياتهم، بقدر خوفهم من أن ينفد حبر العمر قبل أن يتموا كتابة نظرية تمنح وطنهم قوة وديمومة.

كان نصيب الوطن العربي من مهندسي الأمم أقل بكثير من أوروبا، الولايات المتحدة، إندونيسيا، اليابان، وماليزيا، لذلك كانت نتائج كيمياء الأوطان والأمم ذات فروقات شاسعة.

في بلادي، السعودية، توجد قراءات متعددة، فيها دلالات واضحة على وجود «كتيبة هندسة أمم»، (أشعر به ولا أراه بعيني، مختبر كيمياء وطن جديد) يمددنا بنتائج، فيها جرأة المهندس الكيميائي على تجاوز التقليدي في إدراج اختلافات جديدة في النوع والوزن، والرهان على معادلات علمية، مبنية على مكونات تم اختيارها بدقة، واختبارها قبل إدراجها، مع استمرار عوامل التحفيز الكيميائي (الصهر والزمن) كجزء أساسي في حسم النتيجة.

أقول لهم، سلاماً من أجنة في أرحام أمهاتها، وأطفال يحبون على أياديهم، ونداء مع كل صلاة بأن لا تملأوا عيونكم من النوم قبل أن تملأوا عيوننا بالأمل، لا تتركوا لأولادكم ثروات، أو رواتب تقاعدية عالية، فقط اتركوا لهم وطنا، ثابتا، شامخا.

ورثنا عن أجدادنا وطننا، ونعم الميراث، كان فيهم مهندسو أمم ماتوا بعيون قريرة، لم يعدهم للحياة – و لن - علمنا بأسمائهم، وجهدهم، كذلك لن يمنحكم الخلود معرفتنا بأسمائكم، لكن موتوا مثلهم، شوامخ الهامة، قريري العيون، صنًاع أمم، خلاقة وطن.

أقول لهم، وقد لا يمر بكم ما كتبته ههنا، أو التقي أحدكم، لكنني أشعر بوجودكم، أنحني تقديساً لجهدكم، أراكم في خطوات صعود وطني، وأشعر بديون كثيرة لكم على الأجيال، أقل الوفاء الدعاء.

يستمر مهندسو الأمم، في مختبرات كيمياء الوطن، لا تتوقف حروبهم ضد الفقر، التطرف، البطالة، الجهل، والتأخر الحضاري، نوادر في عددهم، كواسر في عملهم، ووحدهم يعرفون المعنى الحقيقي لكلمة «وطن».

jeddah9000@hotmail.comm