-A +A
هاني الظاهري
وقفة مطولة يستحقها الخبر المثير الذي نشرته «عكاظ» أمس الأول على صفحتها الرئيسية متناولا قصة بطولية للطالبتين السعوديتين (أشواق بخش وفاطمة الصعب) اللتين أنقذتا زميلاتهما من موت محقق عبر السيطرة على الحافلة المدرسية التي تقلهن بعد دخول سائقها في غيبوبة سكّر وانحرافها عن الطريق بشكل كاد يودي بحياة الجميع.

وقعت الحادثة بحسب الخبر في محافظة الجموم لمجموعة من طالبات مدرسة أبي عروة، وهي بالمناسبة مدرسة تستمد اسمها من اسم القرية التي تقع فيها لا اسم شخصية تاريخية كما قد يتوهم البعض، ما يجعل الحدث فرصة جيدة ليصبح للمدرسة اسم جديد مستقل بدلا من نسبتها للمكان، أقترح أن يكون (مدرسة أشواق وفاطمة) تكريما لهما وتخليدا لبطولتهما، وحتى يتذكر بعد سنوات طويلة أبناء وأحفاد الطالبات الناجيات فضل الطالبتين ويفخروا دائما بقريتهم التي أنجبتهما.


الأمر الذي أخشاه أن وزارة التعليم لم تعرف شيئا عن الحادثة إلا من خبر الصحيفة، خصوصا أن الشكر الذي تلقته الطالبتان حتى لحظة نشر الخبر مصدره مكتب تعليم الجموم لا مكتب الوزير، أو مكتب مدير تعليم المنطقة على الأقل، ربما لأن الوزارة مشغولة حاليا بتكرار وضع كتب المناهج على أجهزة وزن (الخضراوات والفواكه) بدعوى محاولة تخفيف وزن الحقيبة المدرسية على الطالب المسكين الذي أحدودب ظهره من حملها مع أنه يعيش في زمن التقنية الذي يمكّن مسؤولي الوزارة من جمع مناهج المراحل الدراسية كلها في (فلاش يو إس بي) لا يتجاوز وزنه 10 جرامات، لكن هذا للأسف أمر يصعب فهمه على من يعيشون بأجسادهم في عام 2017 أما عقولهم فتعيش في ستينات القرن الماضي إن لم تكن تهيم في عصور أقدم.

ميزة بطولة فاطمة وأشواق أنها جاءت في زمن لا تقود فيه النساء السعوديات السيارات الصغيرة فضلا عن الحافلات، ما يعلي من شأنها بشكل فنتازي، ولو تلقفت الخبر غدا صحيفة مثل نيويورك تايمز أو ديلي ميل لأصبحت الواقعة حديث نشرات الأخبار في العالم أجمع ولتسابقت المنظمات الدولية لتكريم الطالبتين قبل أن يرتد لوزارة تعليمنا طرفها، أو لنقل قبل أن تبدل كتاب العلوم بكتاب الفقه على ميزان الخضراوات الذي تصور بجانبه أحد كبار مسؤوليها ونشر الصورة عبر حسابه في شبكة تويتر ليُضحك علينا العالم دون أن يشعر.

إجمالا نقول لا ينبغي أن تمر بطولة أشواق وفاطمة كخبر صحافي عابر مثل غيره من أخبار الحوادث المرورية التي تُنشر يوميا في الصحف السعودية، وينبغي إن لم يستوعب عظمة وأهمية الحدث السيد المسؤول في وزارة التعليم، أن يستوعبه المجتمع وتُطلق مبادرات أهلية لتكريم الطالبتين ابتداء من قرية أبي عروة وليس انتهاء بكل بقعة في هذا الوطن تحمل بناتها حقائبهن كل صباح متجهات لمدارسهن دون أن يعلمن إن كن سيعدن لمنازلهن أو سيذهبن ضحية غيبوبة سائق حافلة مريض أو إبل سائبة دون أن يهتم بمصيرهن أحد من خارج أسرهن.