أحد الفصول التعليمية داخل السجن. (عكاظ)
أحد الفصول التعليمية داخل السجن. (عكاظ)




تضم مكتبة السجن عددا من الكتب الشرعية والروايات
تضم مكتبة السجن عددا من الكتب الشرعية والروايات




ملعب كرة قدم للنشاطات الرياضية للموقوفين.
ملعب كرة قدم للنشاطات الرياضية للموقوفين.
668588367DSC_7338
668588367DSC_7338
726952467DSC_7344
726952467DSC_7344




تعمل إدارة السجن على تأهيل الموقوفين. (تصوير: مديني عسيري)
تعمل إدارة السجن على تأهيل الموقوفين. (تصوير: مديني عسيري)
1502046123DSC_7352
1502046123DSC_7352
-A +A
عيسى الشاماني (جدة)
في مكان قصي شمال مدينة جدة، يقع سجن ذهبان المركزي على مساحة فضاء واسعة كأحد أكبر السجون في المملكة، ويضم داخله موقوفين جميعهم متورطون بقضايا تمس الأمن الوطني. في صيف عام 2005، وعند مواجهة قوات الأمن أعنف العمليات الإرهابية التي شهدتها المملكة، حاول يوسف (40 عاما)، إدخال صواريخ إلى المملكة عبر الحدود مع اليمن؛ لدعم عناصر القاعدة الذين تلاحقهم الأجهزة الأمنية في الداخل، لكن قبض عليه وحكم بالسجن 20 عاما، واليوم يعمل عضوا فاعلا في مناصحة أقرانه المتأثرين بالمنهج التكفيري ويقول إنه نجح بنسبة عالية في تصحيح أفكارهم.

موقوفون يناصحون بعضهم


«يوسف» هو اسم مستعار لأحد الموقوفين في سجن ذهبان المركزي، يؤكد في حديثه إلى «عكاظ» أثناء جولة ميدانية على السجن، أن الجيل الحالي من الدواعش الجدد أتوا بما لم يأتِ به أحد قبلهم، عازيا ذلك إلى منهجية العمل التي يستخدمها منظرو التنظيم التي تتمثل أولا في إسقاط هيبة العلماء المعتبرين في المؤسسة الدينية الرسمية؛ ليتسنى لهم بعد ذلك سهولة التوغل في استباحة الدماء، وقتل الأبرياء.

يقول يوسف إنه خلال فترة وجوده في السجن أخضع نفسه قسريا إلى مراجعات شرعية وفكرية لأبرز الشبهات التي كان يعتنقها، لكن مع مرور الأيام انكشف له حجم الضلال الذي كان يعيشه، ويؤكد أن مشكلة الإرهابيين الجدد تكمن في تضخم «الأنا»، فهم يؤمنون بصحة عقيدتهم الراديكالية التي تصور لهم أنهم أولياء الله الذين أرسلوا لإنقاذ البشرية من الهلاك، لكن عند مناقشتهم بهدوء نكتشف حجم الجهل القاتل لاسيما في بعض الأحكام الشرعية التي استقوها إما عن طريق معرف مجهول على «تويتر»، أو داعية ضلال.

في داخل إحدى القاعات الكبيرة التابعة لمركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية والمزينة بمصابيح خافتة وثريات كبيرة تعلو السقف، يجلس يوسف برفقة 14 موقوفا يرتدون زي السجن الأزرق. يقول مسؤول أمني إن هؤلاء تطوعوا مع مركز المناصحة منذ عام في مهمة تصحيح أفكار المتطرفين داخل السجن.

شرعيو «داعش» لا يحفظون القرآن

من زاوية القاعة بدا أحد الموقفين متحمسا لسرد قصته، إذ يقول إنه كان يعتنق المنهج «الداعشي» بشدة، وكان يقوم بمهمة دعائية للتنظيم الإرهابي على مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت سببا في تأثره بالأفكار المتطرفة، بيد أنه بفضل يوسف ورفاقه تخلص من أفكاره الإرهابية.

وقال رجل آخر كان يعمل إماما وخطيبا لأحد المساجد في مدينة الطائف، إنه منذ تطوعه مع مركز المناصحة قبل عام واجه أشخاصا عديدين كانوا يصفون أنفسهم بأنهم شرعيون في تنظيم «داعش»، وكان أحدهم يمتلك أربعة حسابات في «تويتر» ويفاخر بها، ولكنه بعد أشهر من دخوله السجن وبعد أن هدأت نفسه وأصبح بعيدا عن تأثير وسائل التواصل بدأنا في الحديث معه، واكتشفنا انه لا يفقه شيئا في الدين إطلاقا، إضافة إلى أنه كلفه قرابة أربعة أيام من أجل تحفيظه سورا قصيرة من القرآن.

ويضيف يوسف أنه عندما يقوم سجين بمناصحة سجين آخر بالتهم الإرهابية نفسها، فإن الحواجز غالبا تكون محطمة، «فالكل منا يعرف مصادر الآخر وأبرز أسباب تطرفه، إضافة إلى أن الاستجابة في الغالب تكون إيجابية»، مؤكدا أنه نجح في تصحيح أفكار كثير من رفاقه في السجن.

ويضم سجن ذهبان المركزي قرابة 1000 سجين، النسبة العظمى متورطون في قضايا أمنية تهدد الأمن الوطني للمملكة، وغالبيتهم من عناصر تنظيم القاعدة، لكن مع بداية عام 2011 وبالتزامن مع الحرب الأهلية في سورية انخرط مراهقون في القتال تحت رايات جماعات إرهابية في سورية والعراق كتنظيم «داعش» الذي يخوض معركة كسر العظم في الموصل (أكبر مكاسبه منذ انطلاق عملياته في العراق).

ويلقي الكثير من المهتمين بالشأن الأمني في المملكة وبعض العلماء باللائمة على شخصيات دعوية تنتمي لتيار «الصحوة» بعد أن ظهروا بلباس ثوري مع بداية أحداث ما سمي بـ«الربيع العربي» وصاحب ذلك كم هائل من التحريض ودعاوى الجهاد والقتال، وأقسم أحدهم على منبر مسجد في مصر بأنه يرى ظهور الخلافة الإسلامية قريبا ما تسبب في تضليل الكثيريين.

وفي مدخل السجن وضعت لوحة كبيرة تحمل أسماء وصور لضباط وأفراد رجال الأمن الذين استشهدوا في مواجهات أمنية مع جماعات إرهابية.

10 موقوفات بتهم إرهابية

في داخل سجن ذهبان، تطفح بين زواياه عدد من التفاصيل المذهلة للمجتمع السعودي، إذ يؤكد مسؤول أمني أن السجن يضم قرابة 10 نساء جميعهن متورطات بنشاطات إرهابية، من بينهن واحدة حاولت الهروب إلى سورية للالتحاق بإحدى الجماعات الإرهابية هناك وتمت استعادتها قبل أكثر من عام، مضيفا أن بعض الموقوفات يرتبطن بعلاقات أسرية أو زوجيه مع بعض الموقوفين في السجن.

حراك ثقافي.. قصائد وشيلات

وعلى عكس الشائع، ثمة حراك ثقافي وفني تخفيه أسوار السجن الذي يقع على بعد 19 كيلموترا شمالا من وسط مدينة جدة وتحيط به حراسات أمنية مشددة، فهنا تم تجهيز الكثير من الأنشطة التي تتناسب مع حاجات وميول الموقوفين، وفي أحد المباني يكثر التردد على استوديو صوتي يستخدمه النزلاء لتسجيل قصائد صوتية وشيلات.

وفي أحد المباني الذي يضم عددا من العنابر السجنية، تم اختيار غرفة عشوائية وعند فتح الباب انطلقت أصوات الترحيب بود كبير وكانوا ثلاثة موقوفين قد فرغوا للتو من وجبة العشاء، وتحوي الوحدة السجنية أربعة أسرة وتعلوها رفوف وضعت فيها بعض الكتب الشرعية والروايات، وعلى زاوية الغرفة وُضع سجاد فاخر وتعلو السقف شاشة تلفزيون وكانت تظهر إحدى القنوات المتخصصة بالأفلام السينمائية، والقنوات المشفرة الرياضية.

ويقول أحد الموقوفين الذي كان كثير التبسم (شاب في العقد الثالث من العمر وقضى قرابة عامين في السجن)، إنه ذهب إلى سورية ثلاث مرات خلال عام واحد، ويضيف: دخلت الرقة السورية، ولكن حدث هذا قبل أن تتحول فيما بعد إلى معقل لتنظيم «داعش».

ويوضح زميله الآخر وهو شاب يكثر من الترحاب بالطريقة السعودية، أنه اجتمع وتناقش مع شخص يحمل أفكارا إرهابية، ولكنه لم يقم بإبلاغ السلطات الأمنية بذلك ما اعتبر أنه نوع من التستر، ويقول إنه لايزال تحت التحقيق لتحديد علاقته بالشخص الموقوف حاليا في سجن الحائر بالرياض، فيما تحفظ الموقوف الثالث (في العقد الخامس) عن الحديث مطولا، وقال بشكل مقتضب: «إنه متهم ببيع سلاح لأحد الأشخاص الإرهابيين».

انكسار وندم

كان يجلس برفقتهم موقوف رابع يبدو أنه صغير في السن وتظهر على وجهه ملامح الانكسار والندم، ويعترف بمبايعته لتنظيم «داعش»، قبل أن يتسلم مهمات دعائية للتنظيم الإرهابي على شبكات التواصل الاجتماعي عبر حسابات عدة يستخدمها في هذا الغرض، حتى تمكنت السلطات الأمنية من القبض عليه أخيرا.

ويؤكد الشباب تأثره بأفكار التنظيم بعد أن شاهد مقاطع فيديو عدة تبثها منصات للتنظيم كان يتابعها باهتمام بالغ، وكان أكثر ما أثاره للاستجابة لمثل هذه الأفكار هي المظلومية التي يروجها التنظيم عن اضطهاد المسلمين السنة في العراق وسورية. ويقول مسؤول أمني إن مهمتهم في السجن تكمن في إعادة بناء السجين، وتقويمه نفسيا وخلقيا وفكريا ليصبح شخصا صالحا، وفي الغالب لا نسأل السجين عن تفاصيل قضيته، فهذه مهمة جهات التحقيق التي تتولاها هيئة التحقيق والادعاء العام.

30 خلوة شرعية

وتعمل وزارة الداخلية ممثلة بالمديرية العامة للمباحث على تسهيل تواصل الموقوفين مع ذويهم، من خلال نافذة «تواصل» التي تتيح للموقوف التواصل مع ذويه عبر غرف مخصصة لهذا الغرض. وتتكفل وزارة الداخلية بتذاكر السفر ومكان الإقامة في الشقق الفندقية لأسر الموقوفين الذين يأتون من خارج مدينة جدة لزيارة ذويهم السجناء، ولاسيما الذين يترددون للخلوات الشرعية التي تصل في اليوم إلى قرابة 30 زيارة.

مشاهدات

يضم السجن مكاتب خصصت لهيئة التحقيق والادعاء العام، ولوزارة الخارجية، وهيئة حقوق الإنسان، وجمعية حقوق الإنسان، ووزارة العدل، والجوازات.

تنتشر عدة أجهزة «صرافات آلية».

يضم السجن مستشفى متكاملا بجميع الأجهزة الطبية الحديثة. ويعمل السجن حاليا على تطوير منشأة صحية داخل السجن تعتبر الأكبر في سجون المملكة.

يحتوي السجن على مبنى مجهز بجميع أنواع الضيافة للزيارات العائلية والفردية.

يوجد مبنى مخصص للخلوات الشرعية، يضم نحو 30 غرفة تتسم بالخصوصية.

يضم السجن قاعات تعليمية، وبوفيهات وبقالة للكماليات للقاءات الجماعية، ومسابح وصالات رياضية ترفيهية لكمال الأجسام.

توجد مكتبة تضم أحدث الكتب الشرعية والروايات وكتب الأدب.