-A +A
عزيزة المانع
كثيرا ما يقال: الحياة صراع! فهل حقيقة إن الحياة مفطورة على الصراع؟ أينما التفت تجد الناس في صراع، وغالبا هو صراع ناتج عن تضارب المصالح، وحسب وصف أحمد أمين لهذه الحال فإن (البائع يصارع المشتري والمشتري يصارع البائع، والمستهلك والمنتج يتصارعان دائما، والعمال وأصحاب رؤوس الأموال في صراع دائم، وكذلك ملاك الأرض والمستأجرون، ثم كل طائفة متحدة العمل يتصارع بعضهم مع بعض، فالباعة يتنازعون على المشترين، وأصحاب رؤوس الأموال يتنازعون على العمال وغيرهم، والملاك على المستأجرين، وهكذا).

وما وصفه أحمد أمين من أشكال الصراع في الحياة، ينحصر في مجال الاقتصاد، لكن تضارب المصالح المسبب للصراع بين الناس، لا يتوقف عند كسب المال فقط، فالناس يتصارعون حول أمور أخرى كثيرة، يتصارعون حول امتلاك السلطة وفرض الرأي، فتجد الرئيس يصارع مرؤوسه ليخضعه لما يطلبه منه، والمرؤوس يصارع رئيسه ليخلص من ذلك الخضوع، والأب في صراع مع أولاده، والأولاد في صراع مع آبائهم، والطلاب يتصارعون فيما بينهم من أجل الفوز بالدرجة الأعلى، والفوز بالمقعد الشاغر في الجامعات، والباحثون عن فرص وظيفية يتصارعون على اقتناص المناصب الشاغرة، والرياضيون يتصارعون على الجدارة بالفوز، ولاعبو الكرة يتصارعون على اقتناص الأهداف، وأصحاب الأيديولوجيات يتصارعون على كسب الأنصار، وعلى إخضاع كل منهم للآخر، وهكذا، ومن طبيعة هذا الصراع أنه لا نهاية له، فهو مستمر بين الناس لا يفارقهم حتى يلفظوا آخر أنفاسهم.


أحيانا يكون للصراع جانب إيجابي على الحياة والتنمية، فهو يدفع بالفرد إلى تحسين أدائه وتنمية مهاراته، ويدفع بالمنتجين إلى تحسين منتجاتهم، ويدفع بالتجار إلى خفض أسعارهم، ويدفع بالمؤدلجين إلى مراجعة آرائهم وتمييز ما فيها من صواب أو ضلال، لكنه أيضا لا يخلو من آثار سلبية على الحياة الاجتماعية وطبيعة العلاقات بين الناس، فهو غالبا يولد الكراهية والحقد والحسد، وربما انتهى بالناس إلى تحزبات وانقسامات وتعصب.