-A +A
بشرى فيصل السباعي
في السعودية وبقية دول العالم العربي والإسلامي بات معتاداً رؤية حتى أكثر الفئات تحسساً من مشابهة الغرب يقومون في المناسبات العامة والخاصة ومناسبات الاحتفاء بالعموم وإرادة إكرام أحد بقطع قالب «تورتة، كيك، جاتوه» كبير بسكين كبيرة، وطغيان هذا المشهد على مشهد قطع عنق حيوان «ذبحه» في ذات المناسبات كما كان السائد يقدم مثالاً رمزياً وعملياً على ماهية تأثير المدنية وثقافة التحضر على تلطيف وترقيق السلوك الخاص والعام، فالإنسان يبقى هو الإنسان بذات نزعاته وأنماطه الأساسية، لكن الذي يتغير فيه هو ماهية وطريقة التعبير عنها، فحب الصراع والصدام القتالي العنيف لصالح العصبة وهو من نزعات «غرور الأنا» الغرائزية لا يزول بالمدنية والتحضر إنما تتطور وسائل رمزية بديلة لإشباع هذه النزعة اللاواعية التي تسيطر على البعض، وتتمثل طرق الإشباع البديلة في مشاهدة الرياضات العنيفة حتى منها التي يداخلها التمثيل كالمصارعة الحرة وأيضاً التعصب الرياضي لفريق معين وأفلام ومسلسلات الأكشن وأيضا برامج الحوار التلفزيونية الغوغائية التي تكون عبارة عن نوع من المصارعة بالعنف الصوتي واللفظي، وأيضا الحملات الجماعية في وسائل التواصل الاجتماعي التي يستهدف فيها أهل انتماء أو مشرب معين غيرهم، وبالطبع كل هذه الأمور سلبية الأثر وليست إيجابية، لكنها أرحم من الصراع والعنف الواقعي، ويجب أن يرتقي الإنسان عن الاستمتاع بها عبر تطوير ملكاته العليا وذائقته النفسية والعقلية الجوهرية لتصبح متعته وتسليته في مجالات لها أثر إيجابي في تنمية وإنضاج شخصيته، ومن الأمثلة الأخرى؛ أن العقاب الرئيسي للأطفال بدل الضرب والعنف الجسدي يصبح بالحرمان من الكماليات والامتيازات التي يحظى بها الطفل في الأحوال العادية، وفي العقوبات التعزيرية وبخاصة بالنسبة لصغار السن بدل الجلد والسجن يحكم عليهم بالعقوبات البديلة التي تساعد في جعلهم أكثر وعياً وعمقاً ورزانة، مثل التطوع في دور رعاية المسنين والمستشفيات وفي الجمعيات الخيرية وما شابه، وبالعموم التعبير الرمزي هو ملكة من الملكات العليا لدى الإنسان، ولهذا هي جزء أساسي من الشعائر الدينية التي يحتاج الإنسان لفهم رمزياتها لكي تؤثر في نوعية وعيه كالمعنى الرمزي للعمرة والحج، ففي الدين كما في الدنيا هناك أمور لا يمكن فهمها والقيام بحقها وحقيقتها إلا بأخذها بالمنظور الرمزي، وهناك أمور لا يمكن فهمها والقيام بحقها وحقيقتها إلا بأخذها بالمنظور الواقعي الموضوعي، والثقافة هي مجال التعبير الرمزي، فالفنون بكل مجالاتها هي عبارة عن تعبير رمزي عن الواقع ولهذا هي تساعد في ترقية العقلية والنفسية الفردية والجماعية.