-A +A
مها الشهري
في ظل المتغيرات التي يشهدها المجتمع تظل التنمية من أهم القضايا التي يجب التركيز عليها باختلاف أساليبها وطرق استحداثها، لكنها بالمحصلة لا تتحقق إلا باستثمار الموارد البشرية والمادية وفق خطط تنظيمية تتطلب تضافر الجهود من قبل كافة الأجهزة القائمة في المجتمع.
بالنظر إلى خطة التحول الوطني في أهدافها الاستراتيجية فيما يخص جزئية التنمية الاجتماعية، فقد كان الربط بين المفهوم التنموي للمجتمع والمهام الموكلة إلى وزارة العمل يتلخص في العمل على أكثر من طريقة ومسببا في رسم الخطط المؤدية لتنمية الإنسان السعودي واستغلال الطاقات البشرية وتحويلها إلى طاقات منتجة، ذلك من خلال تمكينها وحصولها على فرص العمل، أي أنه يتوجب على الوزارة أن تتبنى العمل على مجموعة الأنشطة المتمثلة في مضمون البرنامج لتحقيقه كهدف، بالعمل على الإجراءات التي تتطلبها الأنشطة والتي هي في الأصل جوهر هذا البرنامج، تبدأ بالأسرة وتعزيز دورها وإعدادها للمشاركة بداخل إطارها الذاتي وما ينعكس عنها في المحيط الاجتماعي، كذلك تطوير القطاع الثالث الذي يعتبر مكسبا وطنيا لقدرته على مساندة القطاعين الحكومي والخاص، ومنه يتم خلق بيئة جاذبة للأعمال التطوعية وتهيئة المجتمع للمساهمة فيها والاستفادة منها، إضافة إلى تطوير منظومة الخدمات الاجتماعية ودعم الأسر المنتجة، وتمكين ذوي الإعاقة للحصول على فرص التعليم والعمل بما يتناسب مع إمكانياتهم، هذا وغيره مما تم تصنيفه في ثلاثة عشر هدفا تابعة لهذا البند.

من أجل الارتقاء بالمستويات المعيشية فلا بد من العمل على أسباب التنمية الاجتماعية بتفعيل قدرات الممارسين المهنيين وتطوير تعليمهم وعملهم في مجال الخدمة الاجتماعية، وذلك باستخدام أسلوبها العلمي ونماذجها الفنية التي يمكن توظيفها في مختلف المجالات وميادين النشاط في المجتمع، وهي قادرة على تحقيق المعدلات المطلوبة من الرفاهية الاجتماعية لعلاقتها الوثيقة بالتنمية، ولنتذكر تجربة إنجلترا في القرن 16 كدولة صناعية حينما أخفقت تشريعاتها في معالجة المشكلات الاجتماعية الناتجة عن ثورة التصنيع، ووجدت في فلسفة الخدمة الاجتماعية حلا لجزء كبير من مشكلاتها، حيث إن اتجاه مجتمع ما من النموذج البسيط إلى النموذج المعقد يتسبب في خلق العديد من الأزمات التي تتشكل في واقعنا اليوم وغفلنا عن النظر إليها في أوقات مبكرة، كالنزوح السكاني والتكتل في المناطق الحضرية وما أفرزه ذلك من المشكلات الاقتصادية والأسرية ومعاناة الإسكان والبطالة وغيرها، وقد يحدث الفشل من التغاضي عن النظر للأسباب الحقيقة التي أنتجت كل أزمة من هذه الأزمات، والتي يمكن تفسيرها في إطار العلوم الإنسانية كنتيجة للتفاعل الدائم بين الإنسان وظروف بيئته، وعلى ذلك فإن سياسات الرعاية الاجتماعية من خلال المهنة تتضمن نظما وأساسيات لمواجهة وحل جميع المشكلات الاجتماعية، كونها تتقابل مع الحاجات الإنسانية وطموح المجتمع.
للخدمة الاجتماعية قدرة الممارسة في مجالات الطفولة والأسرة والمسنين والأحداث والتأهيل كمجال أولي، ولها القدرة في العمل على المجالات الثانوية التي تتضمن التعليم بمختلف مراحله، كذلك المجال العمالي والريفي والحضري ورعاية الشباب والتطوع والسجون وغيرها، إنها قادرة على احتواء البعد الأيديولوجي والمعتقدات القائمة على الإيمان بالإنسان وتمكينه من المعطيات العملية والمهنية وتصحيح اتجاهاته وتوجيهها، ولها القدرة في خلق تأثير بالغ لتحديد مسارات جديدة ووضع المبادئ الأساسية والأخلاقية المستوحاة من الخلفية العلمية التي تستند عليها المهنة، حيث إنها تركز على نظام العلاقات بين الأفراد وبيئتهم، وبين بعضهم البعض كجماعات صغيرة مختلفة الأنماط والمرجعيات، كذلك علاقاتهم بالدولة، وهذا كله من خلال الاهتمام بالنظر إلى قيمة كل مكون من هذه المكونات.
لا بد من الاعتراف بأهمية المشاركة الشعبية وتأهيل المجتمع للمشاركة في التنمية المجتمعية، فلا يمكن تجاهل دور المشاركة في أي مرحلة من مراحل العمل التنموي لأن ذلك يشكل معوقا أساسيا من معوقات التنمية، حيث إن استجابة المواطنين للقرارات لها تأثيرات وانعكاسات في إنجازات التخطيط، فلا يمكن له النجاح إلا إذا تم عن رغبة وقناعة وإرادة من قبل المواطنين الذين يتأثرون به ويحدثونه، ومن ذلك يتطلب تطوير العمل المؤسسي الذي يتمكن من إثراء الشخصية التنموية لدفع العمل التنموي وتحمل مسؤولياته.
علينا إلا نترك العوامل السلبية تتفاعل بحريتها دون تدخل، فواقعنا الاجتماعي بحاجة إلى التشخيص في جميع أبعاده وفهم العلاقة بين الإنسان وطريقة تفاعله مع هذا الواقع، وما يجب أن تشمله الاستراتيجية ليس الغايات فقط، بل شمول جميع الوسائل التي تصنع تلك الغايات.