-A +A
بشرى فيصل السباعي
جرب وابحث في قنوات الأطفال الفضائية العربية وفي برامجها على الإنترنت عن برامج عن العلم موجهة للأطفال وستفاجأ بأن كل ما ستجده عن العلم هو أغان سخيفة بموسيقى أو بدونها عن شيء اسمه العلم وعن حب المدرسة، بينما ابحث بذات مفاتيح البحث عن برامج عن العلم باللغة الإنجليزية وستجد أمامك عشرات البرامج الرائعة الذكية التي توصل للطفل أعقد المفاهيم والنظريات والتقنيات العلمية بطريقة ممتعة ومبسطة ولا يشعر الطفل حتى أنه يتفرج على برنامج تعليمي وحتى قناة ديزني لديها برامج علمية للأطفال وبالتأكيد لن تجد أطفالا يغنون عن العلم ويتغزلون بالمدرسة، وهذا هو رمز للفارق الجوهري والجذري بين الجزء من العالم الذي ينتج العلم، والجزء من العالم الذي يغني عن العلم ليوهم نفسه بأن لديه مسعى جادا، مما ذكرني بنكتة كانت قد انتشرت في مصر بعد النكسة، حيث كثرت الأغاني عن الانتصار وتحرير فلسطين وتقول النكتة؛ أنه بقي أغنية أو أغنيتان ويفتحوا تل أبيب، كما ولو أن الأغاني صارت البديل عن المجهود الحربي، وبالمثل فكل الأغاني عن العلم والمدرسة لا تولد لدى الطفل العربي الشغف بالعلوم وحب المدرسة، فزرع بذرة الشغف بالعلوم لدى الطفل لا يكون بعرض أطفال يغنون عنها إنما بتقديم العلم كمتعة اكتشاف وتكريس عقول الأطفال على حب فهم آليات عمل كل شيء حولهم والتساؤل والبحث عن الإجابات والتوصل إليها عبر التجربة والتفكير، وهذا هو ذات الفارق بين مناهج الدول الصناعية ومناهج الدول العربية، فواحدة تصنع عقليات تنتج العلوم، والأخرى تصنع عقليات تحفظ ما ينتجه الآخرون لتأخذ عليه شهادة (تتغنى بها) وتحقق بريستيجا اجتماعيا وتضمن لصاحبها أن يتعين في وظيفة يحصل منها على دخل ويكون شبه عاطل فيها، أي لا تتطلب منه إلا القدر الأقل من العمل الفعلي بأن يكون عملا روتينيا غير خلاق، وحتى التطبيقات الحاسوبية التي توصف بأنها تعليمية للأطفال في العالم العربي لها ذات شاكلة البرامج، فغالبها هي أسئلة تاريخية لا أكثر ولا علاقة لها بالعلوم، والغريب أنه تتم ترجمة ودبلجة برامج الكرتون وأفلام ومسلسلات الأطفال والمراهقين الترفيهية الأجنبية ولا تتم ترجمة ودبلجة المواد التعليمية الموجهة للأطفال والمراهقين!
عموما من أي زاوية نظرنا للواقع العربي نرى نقصا هائلا في أسس بناء الإنسان ولهذا مهما تم التغني بالمسميات المثالية ومهما ألقيت من أموال على الواقع القائم فبدون عمل مؤسساتي متخصص في بناء الإنسان سيبقى كله هدرا وعبثا.