-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
هل يليق ببلادنا أن تكون جامعاتنا الحكومية بحاجة إلى كوادر أكاديمية من الخارج بدرجة (أستاذ) في تخصصات مطلوبة، وتتعاقد معها على مسميات مهن عمالة يدوية وفنية، لعدم توفر وظائف على الدرجات والمراتب العلمية المطلوبة أو من خلال التعاقد غير المباشر. للأسف هذا واقع ولم يجد بعد حلا من وزارتي الخدمة المدنية والمالية رغم زيادة عدد الجامعات إلى 25 جامعة حكومية، لا يتوفر لها العدد الكافي من الكوادر السعودية على الأقل لعدة سنوات، أو الوظائف الشاغرة خاصة في بعض التخصصات العلمية.
هذه الإشكالية تضع الجامعات في حرج حقيقي، وهو ما أثير مؤخرا على شبكات التواصل، وتفرعت المشكلة إلى اعتبار هذا الأمر بمثابة مخالفات من الشركات التي تقوم بتأمين هذه الكوادر للجامعات بالطريق غير المباشر. والفيصل في ذلك هو الوفاء بالعقد علميا وماديا. لكن هل من المصلحة ومن اللائق استمرار هذا الخلل الإجباري لعدم توفر المراتب الوظيفية الأكاديمية.

إذا كان الهدف خدمة التعليم وتأمين حاجة الجامعات، فما الضير من تصحيح الوضع بتطوير الأنظمة ومنح مرونة أكبر للجامعات ماليا وإداريا؟ وما الفائدة من وضعها الحالي إذا لم تلب المستجدات في أعداد الجامعات والأكاديميين المطلوبين، أليس من الأفضل أن يتم كل شيء بما يعين الجامعات ويليق بها وبحاملي الدرجات العلمية وببلادنا؟.
وزارة التعليم طبقا لصحيفة (الوطن) تتجه لتقصي ومعالجة هذا الوضع بتصحيح أوضاع مسميات مهن الأكاديميين ومنحهم الصفات التي تليق بهم، وفي نفس الوقت لرفع الحرج عن الجامعات التي تلاحقها حملات التهم والتشهير، مع أنها مضطرة لأجل انتظام رسالتها العلمية. لذا نتمنى نجاح وزارة التعليم مع وزارتي المالية أو الخدمة المدنية في تعديل هذا الوضع القائم وغيره بما يعزز دور جامعتنا الحكومية ويحافظ على كوادرها العلمية السعودية وغيرها الذين تستقطبهم جامعات أهلية وجامعات دول أخرى. فصروحنا الجامعية تحتاج بالفعل إلى مرونة أكثر في الأنظمة المتعلقة بها.
الاستثمار الاقتصادي يشهد تطورات في الأنظمة لجذب رؤوس الأموال والتقنية الحديثة وتوطينها بالمملكة وتوفير فرص العمل، وأعتقد أن الاستثمار في العقول لا يقل أهمية باعتباره الأساس لإنجاح أهداف التنمية الشاملة، والأنظمة واللوائح إنما وجدت لتسيير الأمور على أفضل وجه، لا لخلق أعراض جانبية وكأن المهم تطبيق الأنظمة وليس أهدافها، بعكس دول يرتكز تطورها على تقدم مخرجات ومنتجات جامعاتها، لذا توفر كل أسباب الجذب للعقول العلمية من العالم، لأنها تعتبر الجامعات والأبحاث والتعليم عموما قاطرة التطور، وتخطط لمستقبلها بالعلم أولا.
حقيقة لم يعد مناسبا استمرار هذه التناقضات، وهذا يقودنا إلى نقطتين أخريين: الأولى هي انخفاض رواتب الدرجات الأكاديمية في جامعاتنا الحكومية مقارنة بالجامعات الأهلية وحتى جامعات دول مجاورة، مما يسهم في تفريغ جامعاتنا الحكومية أمام إغراءات الأهلية والقطاع الخاص. وفي نفس السياق تأتي النقطة الأخرى وهي: التقاعد الحالي على سن الستين للعقول الأكاديمية، وهو سن ذروة العطاء العلمي، كما أن سن الستين بحساب الهجري يعني الخمسينيات من العمر بالميلادي، وهذه خسارة أخرى تحرم الجامعات وطلابها من خبرات علمية، فلماذا لا يتم رفع سن التقاعد للأكاديميين وحتى الموظفين بالجامعات إلى 65 سنة كأساس، وإلى 70 للمتميزين كاستثناء.
نتمنى أن تكون الأنظمة وسيلة وليست غاية لأن الهدف الأسمى هو المصلحة العامة فالخسارة والمعاناة للجامعات مستمرة، أما الخسارة الأكبر عندما يتحملها مستقبل العلم في الوطن.