-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
كل عام وأنتم بخير، وندعو الله قبول صالح الأعمال وأن يهدي نفوسنا تقواها ببصمات شهر الصوم لتعمر الأفئدة بالإيمان وإشاعة المحبة والوئام في أسرنا ومجتمعنا ووطننا. فتفاصيل الحياة اليومية تحتاج إلى روح جديدة، روح جميلة وثابة بالخير، روح لن يمنحنا أحد سوانا إن لم نأخذ بأسبابها ونتدبر حياتنا وفق قاعدة الواجبات والحقوق والإخلاص في بناء حقيقي وهادف، كما قال الحق تبارك وتعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
أمور عدة متداخلة ومكملة لبعضها تدعونا إلى تحفيز الوعي الشامل، وإعلاء شأنه لتهذيب التوحش المادي في الحياة المعاصرة. صحيح أن المال والماديات نعمة ومن زينة الدنيا ووسيلة وسبيل للستر والاستقرار والتطور الحياتي، لكن المادة للأسف حكمت مقاييس البشر، وبات البعض يزن الآخرين بالمال (عندك إيه وتملك كم) وزادت الأعباء المادية في المظاهر والمجاملات الاجتماعية وذهبت بعيدا في الإسراف الذي لا علاقة له بالكرم، ولا هو من قبيل شكر النعم، فبات البذخ الإجباري والطوعي مفخرة للقادرين، ومنغصة لذوي الكفاف الذين يصرخون (يا يدي فكي حلقي).

أيضا الوعي يا سادة بلغة التحاور والتواصل الإيجابي، أين الحوار الأسري وقد أصبحت البيوت جزرا معزولة كل يغني على ليلاه، وأبناء في طي الإهمال تتخطف بعضهم فتن أخلاقية أو أحقاد مذهبية وشبكات الفكر الإرهابي الضال المتربص ببلادنا وينهش في أمتنا، وهو المعركة الأخطر التي تدعونا اليوم ودائما لليقظة بالمجابهة والتحصين التربوي والدعوي وبكل السبل.
شعوب كثيرة عرفت طريقها لجادة الصواب في العمل واستثمار حصاد التعليم وانصهرت وتآلفت في بوتقة أوطانها رغم تعدد لغات وديانات وأعراق الشعب الواحد وحسموا أمرهم في ذلك، بينما في أمتنا تهلك بعض الشعوب ذاتها بنيران الفتنة، فهل يتعظ الغافلون والمغيبون ويعقل الموتورون؟!.
في هذا السياق الحديث موصول عن ضرورة تفعيل الوعي الأسري والمجتمعي بخطر المخدرات الذي تواجهه العيون الساهرة ليل نهار على حدودنا وفي الجمارك ومن رجال المكافحة في الداخل والمشروع الوطني للوقاية من المخدرات (نبراس) إنها المعركة الأخرى الواجبة على الجميع، كذلك جهود مكافحة التدخين. فوسط الانشغال بأعباء الحياة ومستجدات العصر، تراجع القلق الأسري والمجتمعي من ظاهرة تدخين الأبناء وحتى البنات، والمفسدة الكبيرة تجلب الصغيرة حتى ضاقت بعض مستشفيات الأمل بضحايا إدمان المخدرات. الشيء بالشيء يذكر، فقد بلغ الإجرام حد الفجور بمحاولة عصابة قبل أيام تهريب مخدرات بطائرة صغيرة ذات تحكم عن بعد إلى داخل سجن بريمان في جدة، فلا المفسدون خارج السجن لديهم ذرة من عقل أو ضمير ولا زبائنهم الفاسدون داخله ارتدعوا. إنه الجنون بعينه وقد سقطوا ولله الحمد في يد العدالة.
بعد موسم الطاعات في شهر الصوم لا بد من وقفة مع النفس واستمرار زاد التقوى ليصحح الإنسان من أدران النفس الأمارة بالسوء، وبدونها يكون الحصاد خسرانا مبينا، فالآجال قصيرة مهما طالت، مما يستوجب الصدق والإخلاص تجاه أنفسنا وأسرنا وأبنائنا ومجتمعنا ووطننا كمنظومة واحدة، والمساهمة في البناء على أسس سليمة بالوعي الديني والوطني والحياتي لحماية نعمة الاستقرار والأمن بمعناه الشامل، وأن ندفع بالآمال إلى غد أكثر إشراقا للأجيال
رمضان والعيد فرصة عظيمة لصفحة جديدة (على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) كما قال حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلا يشعل أحد النار بشرر السلبية وإهمال الأخطاء الصغيرة. لنجدد النفس وننثر المحبة والسرور ونعزز الحوار بصفاء قلب وعقل مفتوح، وإعادة روح المسؤولية.. عيدكم مبارك.