كتاب ومقالات

الوعي النسوي «العقاري»

أريج الجهني

«المرأة بلا عقار كالشجرة بلا ثمار» ماذا لو كان هذا المثل هو البديل للمثل القديم «البنت بلا أخلاق كالشجرة بلا أوراق»؟، نعم أنا ضد التنميط وأطرحه فقط من باب التنبيه للعقل، وأعلم جيدا أن حصول المرأة على عقار خاص بها يكاد يكون شبه مستحيل في بعض الأسر، لكن مهم أن نعيد النظر في هذه الصعوبات، ونتأمل جيدا ما الذي يمنع المرأة من أن تكون «عقارية» خاصة في ظل دعم حكومي رسمي في برامج الإسكان؛ حيث وصل عدد المستفيدات من القروض العقارية لأكثر من ٧٣ ألف امرأة في نهاية أكتوبر لعام ٢٠٢٠، كما تم تعديل الكثير من البنود التي كانت تمنع المرأة من التملك من باب التمييز القائم على أساس النوع، وتم تعديل قرارات التملك في عام ٢٠١٩. تجدون الخبر بعنوان «الصندوق العقاري يسمح للمرأة بشراء العقار باسمها»، لم يحدث هذا التحول إلا بفضل الله أولا ثم بفضل رؤية سيدي محمد بن سلمان حفظه الله وأطال في عمره.

سأطرح ثلاث صعوبات أساسية في صناعة الوعي النسوي الاقتصادي «العقاري» بالتحديد، وقبل أن أبدأ أحيل القراء الكرام للاطلاع على كتاب «النساء والإسكان» كتاب لكام شان وبيترسيا كينت يسلط الضوء على العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتحولات الثقافية؛ بهدف تحسين مساهمة المرأة في قطاع العقار، ومكافحة التمييز ويقدم مقارنات عالمية بين عدة دول، كذلك توجد تقارير لحقوق الإنسان الدولية والأمم المتحدة تناقش بشكل مفضل هذه القضية «العالمية».

التحدي الأول والأصعب بنظري: هو التحدي الثقافي: وهنا أعود للمثل الذي عرضته في المقدمة وهو نموذج على تأسيس كارثي للفتيات، فالكثير من المفاهيم الحياتية الأساسية تم تغييبها عن حياة النساء كإرث ثقافي لا علاقة لها بالدين بل تتعارض معه كثيرا وقصة السيدة خديجة رضي الله عنها وثروتها دليل عملي لم تتم الاستفادة منه في تعزيز الوعي الاقتصادي الفردي لدى الفتيات، بل تم تقديمه في مناهجنا القديمة كقربان لإرضاء الناس، وأن الأساس في حصول المال هو الصرف على الأسرة والمجتمع، هذه الأمثال توضح مرويات وخطابات المجتمع التي زيفت وعي المرأة وجعلتها لا ترى نفسها إلا في قالب الخطيئة والعار وألا تكون منتجة أو مبادرة بل يتكرر سلب إرادتها في الكثير من المواقف.

هذا التحيز الثقافي يقودنا للتحدي الثاني، وهو العائق الاقتصادي: الذي يشمل شح الوظائف وانخفاض الأجور وقطاع الصناعة تحديدا «مدن» مقصرة جدا في تقديم بيانات للمجتمع توضح التأخر المخيف لدخول المرأة لسوق العمل والعقار تحديدا، انخفاض الدخل والجهل بالحقوق المالية يعيق المرأة عالميا عن حصولها على سكن، بل الكثير من المشردين في العالم يكن سيدات، ويتضح هذا الانخفاض أن نسبة المرأة السعودية مثلا في قطاع العقارات لا تتجاوز ٢٣٪ بينما تتجاوزها المرأة الإماراتية والكويتية بمراحل، بل قلما تجد السيدات الخليجيات دون مشاريع صغيرة وسكن خاص، نحن لا نعرف مثلا كم عدد النساء اللاتي دون سكن أو دخل مناسب؟ فوزارة الموارد البشرية لا تقدم لنا أي معلومات مفيدة. بل تشير الكثير من التحقيقات الصحافية إلى وجود موانع وصعوبات تواجه المرأة في قطاع المقاولات والبناء والتشييد، أنا لا أريد أن تكون المرأة مجرد مسوقة عقارية، بل عن دعمها في إصدار الرخص والتصاريح لتكون مستثمرة.

التحدي الأخير هو التحدي الاجتماعي والأنظمة التي تحول بين المرأة والعقارات، حيث يظل من وجهة نظري قطاع الصناعات والعقارات من أشد القطاعات «ذكورية» بل تجد المرأة استهجانا من المنافسين ومحاولة «استغباء» في بعض الأحيان، رغم ذلك أجد أن نظرة المرأة أكثر تفاؤلا من نظيرها الرجل نحو العقار، نحتاج فقط دراسات دقيقة لقياس حاجة السوق والمعوقات الاجتماعية والاقتصادية التي تحد دخول النساء لسوق العقارات، وأيضا نحتاج لكسر الأنماط المجتمعية التقليدية ومنح الفرصة للعزاب والعازبات في الاستفادة من القروض العقارية دون اشتراط الزواج، فهذه القيود الثقافية لا تخدم التحولات الاقتصادية المنشودة، وتغييرها يكون بتغيير المواد التي لا تدعم حرية الفرد. مهم أيضا إعادة النظر في الشراكة الزوجية، وأن تكون المرأة على وعي كافٍ بحقها في السكن، حيث ينتهي الحال بالكثير من النساء بالإخراج من المنزل في حال حدوث خلاف وأتحدث عن حالات واقعية، نعم الزواج مشروع يبدو من الخارج أنه مشروع جيد لكن الدخول في شراكات اجتماعية دون وعي هو مخاطرة حقيقية.

في ضوء ما سبق، معالجة الوعي الاقتصادي رحلة طويلة لكنها مهمة وحساسة وتتداخل فيها الكثير من المشاعر والأفكار والتصورات، التأسيس العلمي الرصين هو الضمان الوحيد للنهضة المجتمعية وليس مجرد شعارات وتغريدات أو حتى إنفوغرافيك!

كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com