كتاب ومقالات

السعودية عصية على الاختراق..

فهد إبراهيم الدغيثر

بذل الأعداء كل ما في وسعهم من وقت ورشاوى مالية وعينية باهظة وغير مسبوقة لإلحاق الأذى بالمملكة العربية السعودية دون أن يتحقق لهم أي نتيجة. أبرز أهدافهم محاولة إحداث شق الصف بين الشعب السعودي وقيادته ليتسنى بعد ذلك وقوع الفوضى وتقسيم البلاد. لم يتركوا شاردة ولا واردة تتعلق بأي أمير سعودي مسؤول أو بلا منصب أو مواطن إلا وأضافوا إليها «البهارات» لتلائم الدراما التي يرونها مناسبة لإثارة الفتنة.

هناك بالطبع قلة من الخونة ممن قبلوا الذل والهوان والعيش على فضلات الأجنبي واستلام المال مقابل التعاون مع أجهزة أجنبية ضد بلادهم. بعضهم أصبح مشرداً في الخارج وبعضهم ينتظر أحكام القضاء في الداخل. أتمنى وغيري كثيرون أن تنشر الجهات الأمنية الأسماء والتهم ضد هؤلاء الخونة ليطّلع القاصي والداني عليها ويتم قطع الطريق على من يسترزق خلفها. هذا هو ما بقي لإعلام الأعداء لنسج الروايات بعد فشل كل المحاولات الأخرى وفي طليعتها اعتمادهم على جماعة الإخوان المسلمين قبل تصنيفها جماعة إرهابية بعد أن عاثت هذه الجماعة فساداً في مناهج التعليم في تآمر وخيانة صريحة ضد الوطن ومستقبله.

من خلال التسجيلات التي ظهرت من عدد «منهم» في خيمة القذافي، اتضح أنهم لم يقرأوا تاريخ هذه البلاد جيداً ولم يدركوا صعوبة المهمة. لم يستوعبوا علاقة الشعب السعودي بحكومته منذ توحيد جميع مناطق المملكة بقيادة المؤسس ومن شاركه من كافة المناطق.

معروف تاريخياً أن مؤسس هذه الدولة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وعلى الرغم من تعدد غزواته إبان فترة التوحيد في غرب البلاد وشرقها وجنوبها وشمالها، لم يعاقب أو يعذب أحداً من خصومه بعد الانتهاء من تلك الغزوات، لذا أصبح المجتمع السعودي الكبير مكوناً من عائلات حضرية وقبائل موزعة في جميع المناطق ومتداخلة نسباً وتصل أعداد كل عائلة للمئات والآلاف وعائلة آل سعود التي تعتبر رمزاً للوحدة، واحدة منها وتعتبر الأكثر عدداً. هذه العائلة نفسها ارتبطت بصلات نسب واسعة مع عدد كبير من العائلات الأخرى والقبائل عنوانها الولاء والاحترام والتنافس على حب الوطن وتبادل القيم والسلوكيات النبيلة.

على أن أكثر ما ميّز الحكومة بعد تأسيس الدولة واستقرارها وظهور موجات الحركات القومية والبعثية وما زال يميزها، تجنبها ممارسات التنكيل التي لجأت لها الأنظمة الحزبية في منطقتنا وما ممارسات حزب البعث في العراق أو سوريا ببعيدة عن ذاكرتنا.

في بداية البعثات التعليمية للخارج وتحديداً الولايات المتحدة أواخر الستينات والسبعينات من القرن الماضي، انخرط عدد من الدارسين السعوديين في تنظيمات مؤيدة لفكر القومية العربية المناهض للأنظمة الملكية وكانت الدولة على علم بذلك وتعرفهم بالأسماء. مع ذلك لم يتم إيقاف ابتعاثهم وبعد عودتهم بالشهادات بادرت في توظيفهم والاستفادة من تعليمهم، بل إن عدداً منهم ارتقى بوظيفته حتى وصل إلى مرتبة وزير.

أذكر شخصياً وجودي في إحدى المناسبات في منزل أحد الأقارب في الرياض قبل عقدين، بحضور الملك سلمان، وكان وقتها أميراً لمنطقة الرياض، ومعه عدد من الأمراء. كان الحديث يدور عن تلك الفترة ووهج القومية والمبتعثين آنذاك. قال الملك للحاضرين بما معناه إن الدولة لم تستجوب أو تعاقب أحداً ممن شارك وانخرط وقذف حكومة بلاده في المنابر العامة هناك عندما كان طالباً جامعياً كونها حدثت في فترة شباب ومراهقة هذا الطالب. ثم استطرد قائلاً إن المراهقة فترة انفعالية قصيرة مؤقتة والشاب السعودي في النهاية مرتبط بأهله وأقربائه ودولته وبمجرد أن ينضج وتزداد تجربته واطلاعه يعود للولاء وحب هذه الأرض والدفاع عنها واستشهد ببعض الأسماء. لا يوجد دليل على ذلك أقوى من الإجراءات التي تبنتها الحكومة مع عدد كبير من المراهقين ممن انضم إلى منظمة «القاعدة» الإرهابية مطلع هذه الألفية وتم القبض عليهم ومناصحة من لم يشارك في العمليات وإخراجهم من السجون بعد توبتهم وهم اليوم مواطنون صالحون يشاركون في نهضة البلاد.

بسبب هذه العلاقة النادرة، وهي فعلاً كذلك، بين المواطن والدولة ولوجود عدة أسباب أخرى كاستتباب الأمن العام وحفظ كرامة المواطن، والحرص على تحقيق العدل في القضاء، وتوفير الرعاية الصحية، والتعليم المجاني، والمحافظة على المكتسبات الضخمة اقتصادياً وسياسياً، وبناء القوة العسكرية المتقدمة، ورؤية الغد الطموحة، يلاحظ المراقب المنصف أن الوحدة والتآخي والاحترام والتقدير المتبادل بين الحكومة والشعب والمحافظة على سلامة الأنفس والأعراض ليست شعارات فارغة، بل عقيدة وممارسة نشأت عليها الأجيال وأصبحت الدرع المضاد الأول والأقوى أمام جميع محاولات الاختراق وإحداث الفوضى والفتن.

كاتب سعودي

falhamid2@