كتاب ومقالات

العرب والفكر الأحادي

أسامة يماني

لن أذهب إلى تاريخ عميق يتعدى المئة عام، بل سأبقى في حدود السبعين عاماً الأخيرة، وأحاول النظر والتأمل في الفكر العربي الجمعي، وما يميل إليه من اتجاهات وتيارات فكرية ومعرفية.

ومعرفة ما هو الغالب على تلك الفترة الزمنية، وما هي التقلبات والتيارات الفكرية والمذهبية التي يتسم ويتصف بها الفكر العربي؟

الجواب في نظري، إن الغالب والطابع الذي يسم الفكر العربي في معظم وأغلب تياراته ومدارسه هو أحادية التفكير، إما إلى أقصى اليمين أو إلى أقصى اليسار.

إما أن يكون على سبيل المثال مع الحداثة أو مع التراث، مع الغرب أو مع الشرق؛ فالتفكير العربي في أغلبه أحادي الرؤية والنظرة؛ ولهذا نعيش في صراع دائم حول جدلية العلاقة بين التراث والمعاصرة، ويغذي هذا الجدل أحادية التفكير.

هذا الصراع يُذكرني بالميثولوجيا الإغريقية التي عوقب فيها سيزيف الماكر بحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، وكلما وصل إلى القمة تدحرج الحجر للأسفل، فيعاود سيزيف الصعود به من جديد. أي عوقب سيزيف بعمل لا فائدة منه ولا طائل من القيام به.

نعود ونقول إن هذه البنية الفكرية الأحادية تقوم على رؤية أحادية التكوين والبعد لتصور الشخص. وهو يبني عليها تفسيراته للمعطيات التي من حوله، معتبراً أن وجهة نظره هي الوحيدة التي يمكن أن تكون صحيحة.

وبدون الإبحار في العلاقة بين نمط الفكر والسلوك نخلص إلى أن ما يميز هذه الشخصية التي تنتهج مثل هذا السلوك والنمط من التفكير هو العناد. وقد أثبتت الدراسات النفسية والاجتماعية التي جرت على هذا النمط من السلوك أن العناد والتفكير الأحادي سمتان متلازمتان تجعلان من الشخص يصر على رأيه دون أن يفتح مجالاً للنقاش.

يقول مؤرخ الفن والفيلسوف والشاعر والناقد الإنجليزي «السير هربرت»: «إنّني لعلى عِلمٍ بأنّ هناك شيئاً اسمه التراث، ولكنّ قيمته عندي هي في كَونه مجموعة من وسائل تقنيّة يُمكن أن نأخذها عن السلف لنستخدمها اليوم ونحن آمنون بالنسبة إلى ما استحدثناه من طرائق جديدة».

وما يستفاد من ما قاله الفيلسوف الإنجليزي أنه بالتوفيق والمواءمة نستطيع أن نتجاوز هذه الأحادية في الموقف، شريطة أن نتخلى عن العناد الذي لا طائل منه ولا جدوى.

النظريات والتصورات أو القناعات لا يصدقها الواقع بالضرورة، لذا نقول بضرورة التوفيق والمواءمة والانفتاح على الجديد، ولهذا نجد أن الرأسمالية نجحت بعض الشيء عندما أدخلت البعد الاجتماعي، و«هنا يبرز منطق الليبرالية الاجتماعية بديلاً إنسانياً يؤكد حرية الفرد ومبادرته كأولوية، مع ضوابط تتمثّل بمبدأ الرعاية الاجتماعية المقوننة لتحد من الوحشية الفردية التي هي أساس للرأسمالية الأنانية. هذا المنطق الذي يستفيد من التجارب الماضية ومن نضال الملايين من الناشطين في الفكر والعمل على مدى القرن الماضي، قد يكون إحدى الوسائل لدخول يوتوبيا جديدة شعارها التكافل والاستقرار والنمو بدلاً من نزاع الطبقات».

* كاتب سعودي

‏yamani.osama@gmail.com