أخبار

«دياب».. فاجأ اللبنانيين أم صدمهم ؟

راوية حشمي (بيروت)hechmirawia@

فاجأ رئيس الوزراء حسان دياب اللبنانيين، بل «صدمهم» ليس عندما أخبرهم بأن الدولة عاجزة ومترهلة وغير قادرة على حمايتهم وتأمين الحياة الكريمة لهم، فهي لم تحمهم يوماً ولم تؤمن لهم كسرة خبز، وليس عندما لفت في تصريحه الأصدق على الإطلاق، إلى أن الدولة مكبّلة بقیود طائفیة صدئة وجنازیر فساد محكمة، بل لأنه لعب أولاً دور «غير العارف» لحدود مهمته المنوطة به، وراح يتصرف وكأنه كُلف حقاً بترؤس حكومة «مواجهة التحديات» ، متغافلاً عن أن اللبنانيين يدركون جيداً أن من جاؤوا به رئيساً إنما قادرون على إخراجه منها بأية لحظة عندما تنتهي المهمة أو تتبدل بعض الظروف الداخلية والخارجية.

ومتغافلاً أيضا عن أن من سمّاهم «أوركسترا» في بيانه المعترض على اعتراضهم، هم أحزاب السلطة الذين حولوا أنفسهم إلى معارضة مؤقتة للاستمرار على قيد الحياة السياسية حتى تتبدل الظروف ويستعيدوا أدوارهم داخلها، وأنهم سيواصلون عزف «لحن الاعتراض» تزامناً مع كل تصريح سيدلي به أو قرار سيتخذه وفقاً لتوزيع الأدوار كما هو منصوص في الصفقة. لقد فاجأ اللبنانيين ثانياً لأن تصريحه في توصيف واقعهم لم يكن تعبيراً عن لحظة غضب أو عن وجع الناس، ولم يكن ساعة تخل، بل كان مرصوفاً على ورقة، تلاها على مرأى ومسمع الملايين ، خصوصا الذين اعتقدوا في الخارج أن دياب يمهد طريق خروجه من هذه اللعبة ، يمهد لاستقالة مسبقة، أو لتخييبه آمال اللبنانيين في مواجهة تحدٍ من سلسلة تحديات، يمهد لفشله في مواجهة أول التحديات التي تقلق اللبنانيين في كيفية سداد سندات اليوروبوند وارتداداتها إن سُددت أو لم تُسدد على واقعهم المرير ، يمهد لإخبارهم بفشل الأخصائيين الذين أتى بهم في مواجهة أول فايروس الـ «كورونا» التي تجتاح لبنان بصمت، يمهد للاعتذار منهم كيف أنه لم يتمكن من وقف رحلات الموت من وإلى إيران لأنه يؤدي دور رئيس الحكومة ولأنه ليس رئيسها الفعلي، يمهد للاعتذار من اللبنانيين كيف أنه لم ينجح في تنفيذ سياسة النأي بالنفس التي تعهد بها في بيانه الوزاري الصوري وإصراره في ما بعد على العمل لإعادة الحرارة إلى العلاقات اللبنانية الدولية والعربية والخليجية بعدما وصلت جثامين شبان لبنانيين قتلوا في إدلب في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

لقد تبين أن دياب كان يسعى من خلال مقدمة الموت التي تلاها، ليس إلى الاعتذار من اللبنانيين، بل كان يتلاعب بوتر أزمتهم وواقعهم ويريد أن يجعلهم يلمسون الفارق الملحوظ الذي «سوف» يحدثه في كيفية «إدارة الأزمات» التي يغرق لبنان بها وليس في حلها، عندما تحدث في المقطع ما قبل الأخير من تصريحه بأن الحكومة «سوف» تتخذ قراراً حساساً ودقيقاً وسترسم معالم لبنان المقبل بعناية شديدة. لبنان يا دولة الرئيس أو يا دولة «الحاكمين بأمر اللبنانيين» لم يعد يحتمل المزيد من اتخاذ القرارات ورسم الخرائط وتوصيف الواقع أو «إدارة الأزمة»، لبنان يحتاج الى من يفتح درجاً من الأدراج الممتلئة منذ عقود بالكثير من المتخذ منها، فالعبرة المرتجاة تكمن في التنفيذ.