كتاب ومقالات

كُندرة

طارق فدعق

المقصود هنا هو الحذاء... فضلا فكر في عدد الأحذية الجديدة التي ينعم بها الناس خلال أيام العيد الجميلة. وتأمل في روائع تلك النعم التي تعكس الحماية والرفاهية بشكل أو آخر. ومعظمها مصممة لتحمي البشر في العديد من المحاور: فهي توفر حماية بمشيئة الله من البيئة التي نعرض لها أقدامنا علما بأنها قد تكون مخيفة. ولا أود أن أخوض في تلك التفاصيل لأن بعضها مقززة، ولكن فضلا تخيل كمية ونوعية ما يغطي معظم سطح الأرض، وحتى الأماكن التي قد تبدو وكأنها نظيفة. وعلى سبيل المثال، فالغبار في ملايين الأماكن يحتوي على مخلفات الحيوانات، والحشرات من الجلود والقشور والأشياء الأخرى غير الظريفة. ولكن الحذاء يوفر أكثر من مجرد الحماية للقدم من الأوساخ، فبمشيئة الله يوفر حماية للعمود الفقري بأكمله من خلال إعادة توزيع الأحمال الهائلة على أجسامنا عند وقوفنا وخلال حركتنا. وللعلم فقد تصل تلك الأحمال إلى مقادير هائلة تفوق ما نتوقع، وبالذات عند الجري، أو الهرولة، أو المشي السريع، أو المشي البطيء الذي قد يصل إلى حدود «اللسلسه». في كل خطوة بركة، ولكنها أيضا قد تضع ما يفوق ثلاثة أمثال أوزاننا على أجسامنا... يعني لو وزنك ثمانين كيلوجراماً، فقد تضع خطوتك السريعة بعض الأحمال التي تعادل أكثر من عشرة بالمائة من وزن سيارة «لاندكروزر» أو أكثر على جسمك، ويلطف حذاؤك بإرادة الله بعضاً من تلك الأحمال الرهيبة. ولنعل الحذاء دوره العجيب في هذا الشأن فهو يمتص الصدمات ويوزع الأحمال على هندسة أقدامنا الرائعة. النعال الجلدي أعزكم الله يتميز بالبرودة النسبية لأنه يسمح بمرور الهواء ولكنه لا يضاهي النعال المصنوع من المواد المطاطية أو البلاستيكية التي تمتص بعض الأحمال، ولكنها لا توفر التبريد للقدم.

ولموضوع الأحذية العديد من الأبعاد الأخرى غير العملية ومنها موضوع الأناقة سواء كان للرجال أو السيدات. معظم الأحذية تصنع من الجلود الرخيصة، ولكن بعضها فيه مبالغات كبيرة في اختيار المواد الخام التي قد تكون مكلفة جدا. والمحزن هنا أنها لا تكون بهدف توفير الراحة بقدر ما هي استعراض للقدرات الشرائية. وطبعا هناك صناعات بأكملها قائمة على «الكندرة» وموضتها، وتألقها الذي يوفر لمن يستعملها الشعور بالتميز. واليوم رأيت أحد الأحذية المعروضة للبيع بسعر يكفي لإطعام أسرة لمدة ثلاثة أشهر على الأقل... معادلة محزنة للغاية.

وبصراحة موضوعنا يحتاج إلى أكثر من مجرد مقال نظرا لما يحتوي من جوانب هندسية، وجمالية، وإنسانية. ولكنه يحتوي أيضا على جوانب سياسية مهمة. فبالنظر إلى الممارسات السياسية في العالم العربي اليوم أصبح واضحا أن بعض المسؤولين عن خراب ديار شعوبهم يستحقون الضرب بالنعال أعزكم الله. وكنت أتمنى أن نبحث نظريا في الجوانب العملية في هذا الجانب وخصوصا فيما يتعلق برمي الكندرة من المظلومين نحو من يتسببون في الكوارث العربية. حسب تقديراتي المتواضعة أن أقصى سرعة لطيران الحذاء ستكون في حدود 14 مترا في الثانية، أي ما يعادل 50 كيلومترا في الساعة، ومعنى ذلك أن المسافة بين الرامي وخارب الديار يجب أن لا تتعدى الأربعة أمتار، يعني يكون زمن تفادي مسار النعال أعزكم الله أقل من ربع ثانية، وإلا فالغالب أنه لن يصيب الهدف.

أمنية

أعتقد أن طيران الأحذية لم يستكشف بعد في أي مكان في العالم. وفي ضوء التطورات السياسية في العالم العربي والمهازل الإنسانية التي تتعرض لها تلك الدول، فأتمنى أن يدرس بعناية. والله يسامحني على ما أقول وأكتب.

وهو من وراء القصد.