إذا كان كل ما تملكه مطرقة

بشرى فيصل السباعي

من أحد اعظم الحكم والامثال التي تشخص ببساطة بليغة سبب كل العنف الفردي والجماعي المادي والمعنوي في العالم والذي باستمرار يحول جنة الارض إلى جحيم، ويجعل المجتمعات المتحضرة تنكص عبر فرد او افراد متغلبين على امرها الى انماط وعصور الهمجية والعنف، هي الحكمة والمثل القائل «اذا كان كل ما تملكه هو مطرقة فقط فسيبدو لك كل شيء كمسمار، أو ستعامله كمسمار»، وله صياغة أخرى مشتقة عنه «أعطِ مطرقة لصبي وسيرى ان كل ما يقابله يحتاج للطرق»، وهي مقولة لعالم النفس الشهير «ابراهام ماسلو» صاحب نظرية هرم الحاجات والضروريات.
ويعبر هذا المثل عن العقلية الاحادية البعد المفتقرة لأدوات ومعارف التفاهم والتأثير ونيل الطموح وتحقيق الذات المعقدة التي لا تمتلك سوى الاداة البدائية الصبيانية التي لا تحتاج لأي نوع من الملكات والمعارف والوسائل والخبرات العليا الثقافية والسلوكية، وهي اداة الإكراه والعنف المادي والمعنوي بأنواعه كالعنف اللفظي، وقد تتستر في المجتمعات المتحضرة بمسميات وآليات الدولة المتحضرة لكن في جوهرها وحقيقة دوافعها ومحركاتها هي ذات النزعة البدائية التي تحرك من لا يمتلكون سواها كوسيلة للتأثير وتحقيق الطموح.
ومن حيث المبدأ؛ المجتمعات المتحضرة لا تقمع اصحاب هذا التوجه لكنها في نفس الوقت لا تطاوعهم، لأن مطاوعتهم تؤدي للصدام مع واقع الحياة المتحضرة القائمة على التعارف والتعايش السلمي الودي البناء بين المختلفين في انتماءاتهم ومشاربهم، بينما المجتمعات البدائية التي تمثلها هذه العقلية البدائية عادة ما تكون احادية الانتماء والمشرب والعقلية ولهذا يمكنها ان تتصرف كما لو انها مطرقة وكل من عداها هو مسمار لا وسيلة للتعامل معه سوى بالطرق أي بالعنف.
لكن التعددية والتنوع والاختلاف هو من الطبائع الاساسية للمجتمعات المتحضرة لكونها تشمل رقعة واسعة من الارض ومجموعات بشرية مختلفة الانتماءات، والتعليم والثقافة تجعل لأبناء الانتماء الواحد مشارب وتوجهات مختلفة تتعارف وتتلاقح لكي تنتج ما يساعد الفرد والمجتمع على التجدد والتطور والترقي سواء على الصعيد الداخلي أو صعيد التعاملات الخارجية مع غيرها من الكيانات.
فالعقلية المتحضرة المترقية ثقافيا هي عقلية متعددة الابعاد والاعماق والآفاق والادوات ولهذا لا تجد حاجة للتعامل العنيف على أي مستوى كوسيلة للتأثير ونيل المراد وتحقيق الذات، فهي يمكنها ان تحصل على تأثير عالمي خالد عبر كتاب أو اكتشاف واختراع واحد أو مؤسسة خيرية عالمية ولا تحتاج للصراع كالوحوش للتوصل للسلطة عبر الارهاب والعنف وخوض حروب عالمية لتحقق تأثيرا عالميا وخلودا في التاريخ.