فجوة التطبيق.. ضجيج بلا طحين

إبراهيم إسماعيل كتبي

التشريعات والأنظمة وضعت ووجدت للتطبق، ويكون لها أثرها في تنظيم الحياة والعمل والإنتاج والمعاملات، أي لتحقيق الارتقاء الإنساني والتنموي بأبعاده الاقتصادية والبشرية والاجتماعية، وبدون التطبيق الدقيق تصبح الكثير من النصوص التشريعية مجرد حبر على ورق، ولا جدوى لنصوص ما لم تترجم إلى واقع ينفع الناس في الأرض، ولا قيمة للكلام إلا لدى شركات الاتصالات التي تحسب عليك بالثانية والهللة.
الفجوة بين الأنظمة وتطبيقاتها تبدو أزمة مزمنة في كثير من الحالات والمجالات، لأنها باختصار ليست غاية ولا تطبق نفسها بنفسها بل يقوم عليها موظفون على مستويات مختلفة، وأيضا المجتمع المستهدف بضبط ماكينة الحياة، وأي خلل في هذه المنظومة يفرغها من أهدافها، كما أن سوء التطبيق يصبح وجها آخر للأزمة، لتستمر دائرة البحث عن حلول بدلا من خطوات التطوير.
الداء والدواء في هذه الإشكالية يكمن في مدى جاهزية القائمين على الأنظمة والمجتمع أيضا فيما يخصه، وفي هذا نجد العديد من الدول تحرص مجتمعاتها على الدقة واحترام قوانينها نصوصا وروحا إلى درجة مدهشة من الصدق والإخلاص، ينمو الطموح الشخصي من خلال الطموح العام وليس على حسابه.
التعليم أحد القطاعات العاكسة لهذه الإشكالية وليست حصرا عليه، لكن نخصه بالحديث لأنه المعني ببناء ثقافة الانضباط والقدوة المفترضة فيه، فهو شديد التشابك مع أزمة مخرجاته، بينما التعليم المتقدم في العالم في سباق لا يهدأ ويؤتي ثماره، بينما لا زلنا نشكو من فجوات متراكمة على مسارين أولهما بين التعليم العام والتعليم الجامعي، والثاني بين مخرجات التعليم وسوق العمل ونمطية نظرة المجتمع للتعليم.
إننا لا نعدم الأفكار ولا الإمكانات في التعليم وغيره، لكن نفتش عنها في الواقع عاما بعد عام كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، ولننظر إلى خطط وزارات خدمية نجد النتائج غير مرضية من مخالفات وتجاوزات وترهل إداري لا يغادر الصندوق التقليدي للوظيفة، وليس الإبداع برؤية استراتيجية وخطط عملية دقيقة، لذلك ليس غريبا أن تبدو نصوص الأنظمة والأهداف مثالية، وفي التطبيق تتآكل تباعا حتى تبدو غريبة في الواقع عبر ثغرات التسلسل الإداري والتنفيذي.
إذا حددنا القضية في التعليم سنجد أنفسنا في حالة بحث لا يتوقف عن التطور رغم التحريك النسبي، ونعلم أن التراكمات كثيرة والمشوار طويل حتى نرى نتائج تطوير التعليم، لكن لا تزال أشياء مهمة وسريعة الأثر الإيجابي لو تحققت، مثلا السنة التحضيرية استهدفت الفرز النوعي للقدرات من الأعداد الكبيرة المقبولة، لكن لاتزال الإشكالية في استمرار قبول المتعثرين، وبالكثير يتم تحويلهم إلى كلية أخرى وبديلة وكأنها (تخريجة) لحتمية قبول أكبر أعداد ممكنة لصالح رضا المجتمع على حساب القدرات الحقيقية المطلوبة.
أيضا المباني الجامعية تشهد توسعا والمشاريع لا تتوقف، لكن هل جميعها نموذجية، أبدا فكثير منها رغم الامكانات يفتقد خدمات أساسية كالصيانة التي لا تعرف لها عنوانا في اللحظة المهمة ولا تتم إلا بإجراءات وأوراق، كذلك استمرار تشغيل الإضاءة وأجهزة التكييف في كثير من المباني ليل نهار سهوا أو إهمالا، وضعف ثقافة السلامة رغم اللوائح الدقيقة في مثل هذه الأمور إنشاء وتشغيلا. أيضا بعض أعضاء هيئة التدريس لا تتوفر لهم أو لهن، غرف أو صالات استراحة بين المحاضرات، فيقضون الوقت في الممرات حتى موعد المحاضرة في مظهر لا يليق ولا ينفع. وللحديث بقية.