الزميل الرباعي في منزل منيف، ويبدو عبدالناصر صالح.
الزميل الرباعي في منزل منيف، ويبدو عبدالناصر صالح.
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
لو استمر الروائي السعودي عبدالرحمن منيف في نشاطه السياسي، وتبعاته الحزبية، لما غدا اسماً مميزاً وكاتباً فريداً وعلامة فارقة في تاريخ الكتابة الروائية العربية التي نحت بصمته في مجسمها العالي بنجاح سردي عالج به فشل السياسة ورصد من خلاله أوجاع عالم بلا خرائط.

تمر اليوم الذكرى الـ17 لرحيل كاتب النخبة والبسطاء، مخلّفاً مشروعا ملحميا تداخل فيه الذاتي بالموضوعي وتعالق الخيالي بالواقعي وانتصر فيه بالجهر في زمن الهمس فتوالت أعماله الموحية (الأشجار واغتيال مرزوق) مروراً بـ(قصة حُبّ مجوسية) و(شرق المتوسط) و(النهايات) و(حين تركنا الجسر) و(سباق المسافات الطويلة) و(عالم بلا خرائط) بالاشتراك مع الروائي جبرا إبراهيم جبرا، و( سيرة مدينة) و(مدن الملح) و(أرض السواد) و(الآن هنا)، وليس انتهاءً بما صدر إثر رحيله، من نقديات عدة داوى بها تعب أهله وأرهق نفسه.


يؤكد منيف ذات حوار، أن الموت نهاية منطقية لحياة أي كائن إلا أن ميزة الإنسان في أن له ذاكرة، ما يعطي الحياة قدرة على العطاء والاستمرار والغِنى، ويشدد على أن الإبداع لا يترسّخ ولا يستقيم ولا يكتسب صلابة عوده إلا بنقد جدّي، ما يتطلب حصيلة كبيرة من المعرفة والثراء الثقافي المؤهل لاختراق القشور والوصول إلى اللُّب. فيما كشف قبل رحيله أن هجره للسياسة فتح عينيه على سبل جديدة للتواصل مع الآخرين والتعبير عن أفكار وأحلام تملأ القلب والعقل من خلال الأدب، والرواية تحديداً، وكانت تتلبسه الشخصيات ويعيش معها أدق التفاصيل.

لعل من أقدار منيف، أن تجتمع في جيناته نجد والعراق والأردن، ويعشق بعروبته مصر وسورية، وينتمي للإنسانية جمعاء بحكم الدراسة في بلغراد، والتنقل بين عواصم، آخرها باريس التي كتب إثر عودته منها أصدق رثائية (عروة الزمن الباهي). ويرى في واحدة من إناراته أن توحيد الثقافة دون ظهور التضاريس الخاصة بكل فضاء إفقار لمجمل الثقافة العالمية، وحرمان من التنوع، كونه يولّد الثراء ويقاوم فكرة سيطرة ثقافة واحدة. ولن أنسى آخر عبارة قالها ونحن نودعه بباب منزله في دمشق (لا تقل اللهم خفف حِملي بل قل اللهم قَوِّ كاهلي).