بوستر الفيلم
بوستر الفيلم
-A +A
استطاعت المخرجة اللبنانية سارة قصقص في الفيلم الحائز على أفضل وثائقي في الدورة الأولى من مهرجان القدس للسينما العربية «تحت التحت» أن تنقل صورة مجتمع كامل يعيش في بيروت، وهنا المجتمع هو المكون الذي يمشي على تلك الأرض لبنانيا كان أو فلسطينيا أو سوريا، من خلال ثلاث قصص، تكاد أن تتقاطع بمشهدها المكان الذي يجمعهم، مع أن لا أحد يعرف الآخر، وهنا توثق قصقص اللحظة، وما ينتج عنها، عبر إدارتها للشخصيات، وإدارتها للأمكنة وما يصدر عنها، فمراقبة عدسة قصقص الفأر الذي ينتظر الليل لكي يخرج ويسرق فتات الطعام، ما هي إلا توضيح لرؤيتها التي تريد، هو ليس تشبيها للبشر، بقدر ما هو وضع النماذج التي اختارتها التي تعيش في القاع في مواجهة مع العالم، ونقل حكاياتهم، وعلاقة الفأر بالإنسان هي علاقة دائما ما تخضع للتجربة، فالفأر هو من يحتمل جسده كل أنواع تجربة الأدوية وإذا ما نجحت يتم نقلها للإنسان، تلك العلاقة أيضا تشبه حالات شخصيات قصقص في الفيلم، لمار اللبنانية التي تعيش الفقر في حضرة مرض أمها التي تعاني من الماء الأزرق في العينين، وتحتاج إلى عملية، والطفل علي، اللاجئ السوري، الذي يعيش في الشوارع، الحزن يكتنفه، يستيقظ كل يوم ليبحث عن صديقه الذي اختفى فجأة، يقول: «بصحى من النوم، بدوّر عليه ما بلاقيه، بدوّر عليه ما بلاقيه..»، وكأن هذا اليافع اختصر الوطن وفكرته بصديقه الغائب الذي لم يجده، في المقابل تظهر شخصية أبو حسام اللاجئ الفلسطيني، الذي هرب من مخيم عين الحلوة لشوارع بيروت، خوفا من فقدان عقله في المخيم، لكنك كمتلق تشعر أن تلك الشوارع التي هرب إليها حولته إلى أشبه بمتشرد، يعيش بين سيارة التاكسي والأزقة، لا تفارقه حالة السكر، وكأنه يهرب من كل شيء، سباب وشتائم طول الوقت، وفي لحظة الهدوء تراقب عينيه وتعرف مدى القهر الذي يعيشه.

مع تلك الشخصيات التي تلازمك كمشاهد، تحضر شوارع بيروت المليئة بصور الزعماء، بعضها ممزق، والبعض الآخر اختفى لونها، مع تلك الشخصيات، وفي حضرة الصور تدرك تماما ما هو حال بيروت وإلى أين وصلت. فيما تكمن أهمية الفيلم بقدرة المخرجة على توفير التقاطع بين الشخصيات، وبين الأمكنة، وإدارتها للضوء وللشخصيات، وإفساح المجال لأبطال الفيلم بالبوح بدون حواجز، وكأنها جعلت من عدستها خلاصا لقلوبهم المليئة بالأسى.