د. الحارثي متحدثاً للزميل حسين هزازي. (عكاظ)
د. الحارثي متحدثاً للزميل حسين هزازي. (عكاظ)
-A +A
حسين هزازي (جدة) h_hzazi@
يختبئ أصحاب المرض النفسي وراء جدران معزولين عن الحياة فى عالم منفصل عن البشر، يشاهدون الدنيا من خلف القضبان، في انتظار الهروب من لقب «مجنون»، فالواقع أليم تعرض له أكثر من 43 % من المواطنين خلال مراحل حياتهم، بحسب مشرف مجمع الأمل والصحة النفسية بجدة الاستشاري النفسي الدكتور نواف الحارثي، الذي كشف في حوار لـ«عكاظ»، أن هناك 15 % من المرضى يثقون بـ«الرقاة» و 6 % فقط يراجعون الطبيب النفسي. وأشار إلى أن 120 ألف مراجع لمستشفى النفسية والإدمان سنوياً يمثلون 5 % فقط من المرضى الحقيقيين في منطقة مكة المكرمة والبقية يعانون بصمت، والسبب الخجل الاجتماعي، والخوف من الصورة النمطية العالقة بالأذهان من أن المريض النفسي مجنون أو مختل عقلياً، حتى أن الكثيرين لا يستطيعون الإفصاح عن مرضهم.

• بداية.. لماذا الخدمات النفسية مغيبة عن المجتمع؟


• إعلام الصحة النفسية بين المجتمع غائب، بعكس الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، لأن قناعاتهم مبنية على الوضع الصحي للإنسان إذا كان طبيعيا يؤخذ بعين الاعتبار أنه منضبط غير مؤذ، وبالتالي هم يهتمون بالاعتدال النفسي.

ويوازي هذا الاهتمام، محاربة التحرش بالأطفال، فإذا كان الأب مدمنا أو الأم غير صالحة يتم أخذ الأطفال للمؤسسات الاجتماعية، ويحول الآباء لبرامج تأهيلية إذا اجتازوها يعاد لهم الأطفال، لأنهم يخافون على الصغار، أما الشخص المعتل فيعالج لاحقا.

ونحن في الصحة النفسية نعتمد في معظم عملنا على الوقاية والتوعية في تربية الأطفال وتقديم النصائح لهم ووقايتهم من الإيذاء والاعتداء.

• ما هو تأثير التحرش بالأطفال بعد بلوغ سن الرشد لا سيما النساء؟

•• بعض البنات تجدهن متقلبات النفسية بين الحب والكره، والتغير في شخصياتهن بين الاعتداء وخلق المشاكل أو إدمان المخدرات اعتقادا أنه الملاذ الآمن لحياة أفضل، هؤلاء مشاكلهن بدأت في مرحلة الطفولة و90% منهن تعرضن للتحرش أو الاعتداء الجنسي في صغرهن أغلبها من داخل الأسرة أو الخدم أو السائقين، لذلك بعض اللاتي تعرضن للتحرش في صغرهن يصبحن أمهات غير مستقرات نفسيا.

من الأمثلة، أذكر مريضة حين كانت تدرس في السنة الرابعة بالجامعة، تحدثت عن تعرضها للتحرش من السائق قبل دخولها للمدرسة، واستمر حتى سن 12 من عمرها ولم تستطع الإفصاح عن ذلك طوال تلك الفترة بسبب الخوف القاتل داخلها بأنها لو تحدثت ستنال العقاب، وفي الغرب عكسنا تماماً لأنهم يدرسون أطفالهم طريقة التعامل مع أي اعتداء.

• ما الحل لرفع درجة وعي المجتمع؟

•• لا توجد برامج توعوية وتثقيفية للعامة من الناس تسهم في تصحيح المفاهيم، والتأكيد على أنَّ الصحة النفسية مهمة بل تكاد تكون أكثر أهمية من الصحة البدنية للشخص كي يؤدي دوره في المجتمع على أكمل وجه، وأعتقد أنَّ هذا الأمر يقع على عاتق القطاع الصحي في الدولة، من خلال وزارة الصحة المعنية برفع الوعي وتعزيز دور الطبيب النفسي في الحالات التي تستدعي.

وأرى أن الحل في إبلاغ الناس وتوعيتهم ودعمهم بمعلومات نفسية عن طريق وسائل الإعلام، وهذا توجه الدولة المتمثل في ضرورة الحديث عن المرض النفسي من أجل خلق إنسان طبيعي، لأن الفكرة السائدة لدى المجتمع أن خدمات الإدمان والنفسية تعتبر جزءا غير جميل، كما يجب معرفة ماهية المشاكل النفسية والإدمان، حتى تستطيع العوائل التعامل مع الحالات.

• لماذا يفضل المرضى العلاج عند الرقاة بدلاً من العيادات النفسية؟

•• هناك نظرة قاصرة يرى بها البعض المرض النفسي «وصمة»، وأنَّ اللجوء إلى المرشدين النفسيين، أو إلى الأطباء المختصين بالطب النفسي هو بسبب قلة الوازع الديني، وتوجد إحصاءات رسمية تؤكد أن 43% من المجتمع السعودي تعرضوا لمرض نفسي خلال مرحلة في حياتهم، منهم 6% فقط يذهبون للأطباء النفسيين، 15% يذهبون للرقاة.

كما أن القرآن لكل الناس وليس لمرض معين، ولكن لكثرة الطلبات على الرقاة سمحنا لهم بضوابط، ولم نمنع دخولهم وأكدنا السماح لهم بالدخول إلى المستشفى النفسي تحت إشراف وشروط، ونعتبرهم قراء فقط، وليست لهم علاقة بالتشخيص أو العلاج أو دخول أو خروج المريض أو إيقاف استخدام أدويته لأن معظم القراء ينصحون بإيقاف العلاج.

• لماذا لم يتم تصنيف «الرقاة» مهنياً؟

•• طُلب تصنيف «الرقاة» من «المفتي سابقاً» أسوة بالأطباء، لأن الأطباء مصنفون ولا يسمح لهم بالعمل إلا بتصريح ساري المفعول، وأي طبيب يخالف ويمارس العمل حتى لو كان يحمل تصريحا سابقا يتعرض للسجن.

ولأن هناك رقاة يعملون في مجال العلاج ويمارسون عملهم دون تصريح، لأنهم يعتبرون قراءة القرآن حقا مشاعا لا يحتاج إلى تصريح، لكن أعتقد بما أنهم يمارسون أعمالهم لا بد من حصولهم على ترخيص، إذا فتحت عيادة دون تصريح وأنا طبيب سيتم إغلاقها لعدم حصولها على تصريح.

يجب على أي شخص يمارس عملا له علاقة بالناس الحصول على تصريح، ونعتقد أن هذا الموضوع لم يتخذ فيه قرار حتى الآن، وتحويله من عمل فردي إلى مؤسساتي وجماعي، لا يزال القراءة اجتهادية.

• ما هي أسباب تأخر إنشاء مستشفى جديد للنفسية والإدمان؟

•• اعتمد مستشفى مجمع الأمل والنفسية الجديد في جدة عام 1425هـ، وكانت المشكلة في المكان ومنذ ذلك الوقت لم تستطع وزارة الصحة الحصول على أرض إلى 1437هـ، وأخيراً حددت أرض في منطقة الفروسية شرق جدة، وبعدها تعذرت الأمور المادية، ونحن على موعد للتوقيع مع المقاول هذا العام، بعد مطالبات الصحة بضرورة وجود مستشفى الإدمان والنفسية في جدة.

• كم عدد مراجعي الصحة النفسية؟

•• قرابة 5 آلاف مريض شهريا، وفي مستشفى الأمل 3 آلاف مراجع، وهذا الرقم يمثل 5% فقط من المرضى الحقيقيين في الخارج، أي أن 95% لا يرغبون في الحضور للعلاج لعدة أسباب منها (السمعة والخجل)، إذ إنَّ البعض ينبذهم ويعتبرهم مرضى قد يلحقون الأذى بالبيئة التي تحيط بهم، وبالتالي أغلب الذين يعانون من الاضطرابات النفسية، يعانون بصمت، والسبب الخجل الاجتماعي، والخوف من الصورة النمطية العالقة بالأذهان من أن المريض النفسي مجنون أو مختل عقلياً.

• هل الموجهون التربويون في المدارس مختصون؟

•• أُجريت دراسة على الموجهين التربويين الموجودين في المدارس ووجدنا أقل من 20% مختصين و80% غير مختصين يحملون تخصصات مختلفة، كما أننا وقعنا شراكة مع المدارس لكن وجدنا التعامل فرديا.

لذا أقترح وضع موجهين تربويين مختصين أو على الأقل قريبين من الاختصاص، تكون لديهم معرفة بأساسات علم النفس «الإكلينيكي»، ويجب تعليم المرشدين لتمثيل الأطباء النفسيين في المدارس، والأمر ليس فيه صعوبة، يحتاج أسبوعين للتدريب فقط، يستطيع بعدها تحديد مشاكل الطلاب النفسية.