-A +A
علا الشيخ - ناقدة سينمائية ola_k_alshekh@
فيلم «الباباوان» الذي يتحدث عن سيرة ذاتية لشخص مازال حيًا مثل البابا فرانسيس يصطادك بسنارته منذ اللحظات الأولى من عرضه، وسواء كنت تشاهده على شاشة تلفازك الكبيرة أو كمبيوترك المحمول أو حتى هاتفك النقال، فإن روعة الفيلم لن تقل، فالمشهدية أمر ثانوي مقابل البطولة المطلقة للكلام.

غريب أمر هذا الفيلم حقًا، وهو للمخرج البرازيلي فيرناندو ميريليس وبطولة نجمين كهلين «أنطوني هوبكينز وجوناثان برايس»، يلعبان دور رجلي دين، لكن عوضًا أن يسبب ذلك الملل للمشاهدين فإنه يحلق بهم في روعة حوار يتخلل إلى قلبك، ويقشعر له بدنك ويبقى عقلك يقلب السيناريو الذي قيل على مدى ساعتين هما وقت الفيلم. كثيرة هي الآراء التي اتهمت الفيلم بتقديم الكاثوليكية مذهبًا تقدميًا، والبابا فرانسيس كمثال للسلام، لكن من يرى الفيلم دون تعصب، سيرى أن الفيلم يذهب إلى أننا وعلى أبوب عشرية جديدة من القرن الـ 21 نحتاج إلى إعادة الإيمان إلى بسطاته الفطرية، فشخصية البابا فرانسيس، وهي شخصية مثيرة للجدل قبل الفيلم وبعده، لم تقدم دينًا جديدًا بقدر ما هدمت جدرانا خرسانية أحاطت بفطرية الإيمان وبساطته، وسحبت البساط من تحت أرجل من ينصبون أنفسهم أوصياء على الدين.


من المشاهد المؤثرة في الفيلم، وهي كثيرة، إصرار البابا فرانسيس على أحقيته في رقص التانغو، وعندما سأله بابا بنديكت إن كان يرقصها لوحده، أجاب فرانسيس «من العار أن أرقص لوحدي!» هذه الجملة ما هي إلا إسقاط على دور السلطات مهما ارتفعت مكانتها، فإنه من العار أن تدار بتفرد، دون مشاركة الآخرين.

في المقابل قيمة التوظيف البصري تجلى في حضرة جدارية «مايكل آنجلو» في السيستين بالفاتيكان، فهي تعكس بحق اجتهاد المخرج وكاتب السيناريو في تفصيل الجدارية التي بدت مشاركة في الحوار العميق بين قامتين دينيتين رفيعتين، خاصة المشهد الذي يعترف به البابا بنديكت بتساهله مع أحد القساوسة الذي اغتصب أطفالًا كثرًا خلال خدمته، ليتم تسليط الضوء لمشهد من هذه الجدارية لآنجلو رجلا يغطي عورته وإحدى عينيه! في إشارة إلى التغاضي عن الخطأ في مقابل ستر عورة «الكنيسة». وأيضًا تم توظيف الجدارية بشكل رائع في الحديث عن الهجرة غير الشرعية، والعنصرية وجشع رأس المال، لتظهر السيستين ببعد جديد.

الفيلم يحمل ما بدأ به من جملة على لسان البابا فرانسيس «أي رحلة مهما كانت طويلة يجب أن تبدأ في مكان ما، أي رحلة مهما كانت مجيدة يمكن أن تبدأ بغلطة، لذلك عندما تشعر أنك تائه، لا تقلق».