-A +A
إعداد: فهد صالح (جدة) fahadoof_s@
اللغة العربية في مراحل التعليم المختلفة، هي لغة التعلّم. وإتقانها -تحدثاً وقراءة وكتابة- يحقّق التقدم الحضاري والإبداع الفكري والتماسك الثقافي، لكننا نرى ضعفاً عاماً في مستوى الطلاب، لا سيما المراحل الأولى.

وتشهد مدارس التعليم العام والجامعات ضعفاً في الإقبال على تعلّم مفردات اللغة العربية. وقد زادت مشكلة هذا الضعف الطلاب وتفشت حتى أصبحت ظاهرة مقلقة من ظواهر التردي الثقافي والعلمي.


والحقيقة أن الشكوى من تدني مستوى الأداء اللغوي لدى بعض المتحدثين باللغة العربية قديمة وليست بالحديثة، فقد لاحظ ابن الجوزي شيوع اللحن في عصره، مما دفعه إلى تأليف كتابه (تقويم اللسان)، حيث قال في مقدمته: «إني رأيت كثيراً من المنتسبين إلى العلم يتكلمون بكلام العوام المرذول جرياً منهم على العادة، وبعداً عن علم العربية، فعزمت على تأليف كتابي هذا».

كما أن ما لاحظه ابن منظور من ذيوع اللحن في العربية كان سبباً في تأليف كتابه العظيم: (لسان العرب).

ومع تلك الجهود العظيمة التي بذلها المتقدمون لإنقاذ الوضع المتردي للغة العربية في أوساط الناس، إلا أن الشكوى من تدني مستوى الأداء اللغوي عند الطلاب في التعليم العام تزداد يوماً بعد يوم. ومن الذين التفتوا إلى هذا الضعف في الثلاثينات من القرن الماضي الدكتور طه حسين في كتابه (الأدب الجاهلي) الذي رأى «أن لغتنا العربية لا تدرس في مدارسنا، وإنما يدرس فيها شيء غريب لا صلة بينه وبين الحياة، ولا صلة بينه وبين عقل التلميذ وشعوره وعاطفته».

واليوم، لا تزال الصيحات تنطلق، تشكو كثرة الأخطاء اللغوية التي يرتكبها طلاب المدارس والجامعات في مختلف نشاطاتهم اليومية، ويقع فيها خريجو الجامعات في المؤسسات الحكومية والأهلية، وفي الميدان التعليمي بمختلف مستوياته وفي الإعلام بوسائله المتعددة، مما جعل الحال تسوء يوماً بعد يوم، وتزداد الحاجة إلى معالجة هذه الظاهرة على مختلف المستويات.

وحتى لا يكون الفارق شاسعا بين لغة الأسرة ولغة المدرسة، وجب على الأسرة أن تمهد للتلميذ ما سيتلقاه في المدرسة حتى لا يجد صعوبة في تلقينه اللغة العربية، من تشجيع على فهم ومعرفة أسماء الأشياء وإقامة الحوارات اللغوية، باستخدام اللغة الفصيحة، وتشجيعه على الاستماع الجيد، ومدى توافر الكتب في المنزل التي يمكن استغلالها وتوثيق العلاقة بينهما؛ ناهيك عن التسجيلات القرآنية والقصص التربوية والأدبية الهادفة المناسبة لأعمارهم، ومن ثم تشجعيهم على التحدث والتعبير وتصويب أخطائهم ومنحهم الثقة بأنفسهم، بالإضافة إلى التعاون مع المدرسة لوضع برنامج يعالج ضعف الطلاب التحصيلي للغة. أما عن دور المدرسة، فللمدرسة دور مهم في تثقيف الطالب تبدأ بالمعلم الذي ينبغي عليه أن يتابع الطلاب، ويناقشهم فيما قرأوه واستفادوا منه، فالمعلم له الأثر الكبير والمباشر على الطلاب، من الناحية السلوكية والعملية، لأن الطالب يحاكي معلمه ويقلده في سلوكه ولغته. لكن ما يلاحظ هو ضعف مستوى معلمي اللغة العربية وعدم توافر دافعية تعليم مادة اللغة عربية لديه!، وعندما نعرج إلى الكتاب المدرسي؛ وهو الوسيلة التربوية العلمية العملية، لابد أن نراعي فيه عملية الطباعة الجيدة، التي تعمل على جذب انتباه المتعلم، واستخدام وسائل الإيضاح المشوقة التي تساعد الطلاب على فهم المعلومات المقدمة، بالإضافة إلى السهولة في الأسلوب.

إذن، علينا العمل على غرس الاعتزاز باللغة العربية الفصيحة في نفوس أبنائنا، والانتماء لها كي لا تُفْقد في الحوار والاستعمال اليومي، وبيان الارتباط الوثيق بين الحفاظ على اللغة العربية وبين القرآن الكريم والسنة النبوية. وإعادة النظر في فرض تعليم اللغات الأجنبية منذ وقت مبكر، إذ يجب على الطالب أخذ جرعة كافية -إلى حدٍّ ما- من لغته الأصلية. كذلك تعريب التعليم الجامعي، بوضع مصطلحات علمية موحدّة، مع ضرورة نشرها على الجمهور العربي عموماً وعلى المختصين بالعلوم الطبيعية على وجه الخصوص، وذلك بالوسائل المختلفة، لئلا تظل حبيسة الأدراج، أو بطون المعاجم.