غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
-A +A
«عكاظ» (جدة) Okaz_online@
أعادت الأحداث الإرهابية الأخيرة في فرنسا، الدور القطري المشبوه في دعم جماعات متطرفة إلى الواجهة، أخيراً، بعدما أبدت السلطات الفرنسية عزمها على التصدي لجماعات تستغل «الإسلام» وهو براء منهم، على خلفية تورطها في خطاب التحريض والكراهية وسط الجالية المسلمة في أوروبا.

وعاشت فرنسا على وقع هجمات إرهابية دامية، في أكتوبر الجاري، آخرها في مدينة نيس، جنوبي البلاد، يوم الخميس، حيث قتل 3 أشخاص على يد متشدد شاب من تونس نفذ عمليته بسكين. وقبل ذلك، تم ذبح أستاذ تاريخ فرنسي من قبل شاب شيشاني، بعدما قام بعرض رسوم مسيئة للنبي محمد خلال حصة دراسية.


وفي خضم التطورات الهائلة في المشهد الفرنسي وتشديد التأهب الأمني في البلاد، تصدر واجهة النقاش، كتاب «أوراق قطر» الصادر في 2019 عن الصحفيين الفرنسيين جورج مالبرونو وكريستيان شيسنو، اللذين رسما صورة مفصلة عن الدعم السخي المشبوه الذي تقدمه قطر لتنظيمات وجمعيات متطرفة في فرنسا وأوروبا، تحت غطاء العمل الخيري الذي تقودها جمعية قطر الخيرية.

وكشف الكتاب الذي أعده صحفيا الاستقصاء الفرنسيان، أن الدوحة أنفقت أموالا طائلة على جمعيات الإخوان المسلمين التي تتحمل مسؤولية في دفع عدد من أفراد الجالية المسلمة نحو التطرف والتشدد.

واستند العمل الذي يقعُ في 276 صفحة، إلى وثائق ومعلومات تنشر لأول مرة، نقلا عن مصادر الصحفيين في جهاز الاستخبارات الفرنسي، فضلا عن جولاتهما في مراكز إسلامية مولتها قطر في أوروبا وفرنسا تحديدا، علاوة على زيارتهما الدوحة والتنبيش في خفايا تمويل جمعية قطر الخيرية، إذ يوضح الكتاب كيف مولت قطر عشرات المساجد والجمعيات من أجل زيادة نفوذ تنظيم الإخوان في بلدان أوروبية مثل سويسرا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. ورسم الكتاب صورة متكاملة عن مشاريع قطر التي تتنكر بالعمل الإنساني مثل مؤسسة «قطر الخيرية» وما أقامته من مشاريع تثير أكثر من علامة استفهام. وشرح كيف أن قطر استفادت من تقاربها مع فرنسا على عهد الرئيس السابق، نيكولا ساركوزي، الذي تحوم حوله تهم فساد، من أجل تعزيز حضور الدوحة وأجنداتها في البلد الأوروبي. وأشار الكتاب إلى أن قطر قدمت دعما يقارب 80 مليون دولار إلى جماعات مرتبطة بتنظيم الإخوان حتى تنشط في 7 بلدان أوروبية. ووفق الكتاب، مولت قطر في السنوات الماضية 140 مؤسسة ومركزا إسلاميا في أوروبا، بحوالى 72 مليون يورو.

وتطرق الكتاب إلى العلاقة التي تجمع قطر بحفيد مؤسس جماعة الإخوان، طارق رمضان، الذي يتابعه القضاء السويسري، بتهم اغتصاب. وأورد الكتاب أن رمضان الذي كان ينتحل صفة الأكاديمي والمحاضر كان يتقاضى مبلغا يناهز 35 ألف دولار من قطر، مقابل عمله على نشر أفكار تنظيم الإخوان والترويج لمشروعهم. وقبل توقيفه، على خلفية شبهة الاغتصاب في سنة 2018، كشفت الوثائق أن حفيد مؤسس الإخوان الذي يجوب بلدان أوروبا، سحب 590 ألف دولار من حسابات في بنوك قطرية.

وتحدث الكتاب عن القيادي الإخواني البارز، يوسف ندا، وكيف عمل على استمالة مسؤولين محليين في أوروبا من أجل تعبيد الطريق أمام مشروع الإخوان.

وإذا كانت الدول الأوروبية، ومن بينها فرنسا، قد تغاضت طيلة سنوات وربما عقود عن الجماعات المرتبطة بالإخوان، فإن تزايد الهجمات بعد 2015، شد انتباه السلطات إلى هذا الدور المشبوه لتنظيمات تقدمُ نفسها تحت غطاء «دور العبادة» والمراكز الإسلامية في حين أنها تعمل لأجندات خطيرة. وذكر الكتاب أن المخابرات الفرنسية سبق لها أن نبهت إلى الدعم الذي تقدمه قطر اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا.

إيطاليا.. نصيب الأسد

لم تكن إيطاليا بمنأى عن التحركات القطرية المشبوهة، إذ تعد الدولة التي استثمرت فيها الدوحة أكثر من غيرها بـ45 مشروعا بتكلفة 22 مليون يورو.

وتتبع الكتاب مسارا كشفته صحيفة «لاستامبا» الإيطالية، أشارت فيه إلى أن قطر استثمرت في نحو 45 مشروعا في إيطاليا، بشكل رئيسي في جزيرة صقلية، وشمالي البلاد بمدن سارونو في بياتشينزا، مرورا ببريشيا والساندريا.

وأزاح الكتاب النقاب عن وثائق موقعة من مفتي الإرهاب المقيم في قطر حاليا يوسف القرضاوي، تفيد بحث ممثلي المراكز الدينية في إيطاليا مطلع 2015 عن دعم مشروع بناء مركز جديد في ميلانو، يتضمن مسجدا ومدارس. وفي مواجهة هذه التحركات، دعا برلمانيون إيطاليون، الحكومة إلى حظر أي إمكانية لأي تمويل أجنبي للمؤسسات الإسلامية في البلاد.

فرنسا وسويسرا

وفي فرنسا، وضع الإخوان بدعم الدوحة استراتيجية لاستقطاب رؤساء البلديات والهيئات المحلية الأخرى. وركز الكتاب على مؤسسات الإخوان في مدينة ليل، شمالي البلاد، إضافة إلى مدينة بوردو (جنوب غرب)، حيث جرى تمويل الكثير من المشاريع المشبوهة في هاتين المدينتين.

ورغم أن فصوله الـ14 ركزت بشكل أساسي على تجربة فرنسا، إلا أن الكتاب يؤكد طموح جماعة الإخوان التوسعي الساعي إلى تأجيج التطرف الديني في جميع أنحاء أوروبا.

وأشار الكتاب إلى تنظيمات تعملُ تحت غطاء ثقافي وفكري مثل «متحف حضارات الإسلام» الذي أقيم في مدينة جنيف السويسرية، لكن ما يقوم به في الواقع بعيد عن العمل الحضاري والثقافي، بل يسعى إلى ترويج دعاية تنظيم الإخوان المدعوم من قطر. ورجحت بعض التقديرات الواردة في الكتاب أن يكون هذا «المتحف» قد تلقى 1.5 مليون دولار من قطر.

النمسا.. مرتع الإخوان

عملت قطر على تعزيز أقدام الإخوان في النمسا، عبر تبرعات سخية وصلت قيمتها إلى ملايين اليوروهات، وفق الكتاب، الذي أكد أن المركز الثقافي في مدينة غراتس، المرتبط بالإخوان، على علاقة وثيقة بمنظمة قطر الخيرية.

وكشفت معلومات أن تنظيما تركيّا مرتبطا بالإخوان، يسمى «ميللي جورش» (الرؤية الوطنية)، توسط في يونيو 2014 لدى قطر، عبر إرسال خطاب توصية لسفارة الدوحة في فيينا، من أجل منح الجمعية الإسلامية في النمسا (أحد أذرع الإخوان الجديدة في ذلك الوقت) تمويلا ماليا. وبعد وصول الخطاب للسفارة بـ12 يوما، فتحت قيادات الجمعية حسابا في بنك نمساوي شهير، وذهبت بياناته كاملة إلى مؤسسة «قطر الخيرية». ولم يستطع الصحفيان الفرنسيان التحقق من مقدار الدعم المالي الذي وصل للجمعية في النمسا آنذاك.

ألمانيا.. وجهة رئيسية

وعدّ الكتاب ألمانيا وجهة أساسية للمال القطري القذر في تمويل الجماعات المتطرفة، إذ موّلت الدوحة 10 مؤسسات ومشاريع تابعة للإخوان. وضخت الدوحة أكثر من 5 ملايين يورو نهاية 2016 في مؤسسات الإخوان، بواقع 96 ألف يورو لمنتدى الإسلام في مدينة ميونخ، جنوبي ألمانيا، و400 ألف يورو في مركز ومسجد دار السلام في برلين، و300 ألف يورو لمؤسسة في بلدة دينسلاكن بولاية شمال الراين ويستفاليا (غرب). وأبعد من ذلك، أن قطر منحت تمويلا ضخما بلغ 4.4 مليون يورو لصالح مؤسسة مركزية للإخوان (لم يُذكر اسمها) في برلين.