-A +A
أنس اليوسف (جدة) 20_anas@
في وقت بات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، أشبه بالعادة اليومية، التي يصعب على البعض الاستغناء عنها، بشكل أو بآخر، استغلت جماعات الغدر والتحريض تلك المنابر، لـ «دس السم في العسل»، تسترا وراء شعارات ديمية أو حتى وطنية، والغرض هو إثارة الفتنة والبلبلة والإضرار بالسلام الاجتماعي والاستقرار الوطني، لتصبح الخيانة للوطن مصدرها واضح وهو تلك المواقع.

وفيما يتلقف الكثيرون على اختلاف أشكالهم وطبائعهم وفئاتهم العمرية ومهنهم وحالاتهم الاجتماعية، تلك الرسائل سواء من جهات معلومة أو حتى مجهولة، يصبح تداول تلك الرسائل بإعادة استنساخها بقصد أو عفوية، تسهيلا لهؤلاء المتربصين في تمرير أغراضهم وسمومهم للنيل من المجتمع وإشعال نيران الفتنة بين أبناء المجتمع لصالح أجندات أجنبية تستهدف إثارة الفوضى والتشكيك في الثوابت الوطنية واستقطاب الشباب الذين ربما ينخدعون بهذه المزاعم المنحرفة ودعاوى التحريض الشاذة.


ويعد موقع التواصل الاجتماعي «الواتساب»، أبرز تلك الوسائل التي تشهد الكثير من رسائل التحريض، والتي تتضح خطورتها إذا ما صادفت من يعانون نقصا في الوعي أو من في نفوسهم هوى، إذ تتحول إلى استجابة لدى المتلقي لتصبح بعدها مثل كرة الثلج التي تكبر كل يوم لتصبح جبلا له خطورته وسبباً لانتشار الفوضى على غرار ما يسمى بالطابور الخامس، ولا شك أن الترويج لمثل هذه الدعاوى التحريضية غالباً ما يتم من قبل أعداء الوطن.

الوطن خط أحمر

يؤكد الباحث في استخدامات الإنترنت الدكتور فايز الشهري، أن «الوطن خط أحمر»، لذا لا مبررات لخيانة الوطن ولا شفاعة لمن يقوم بهذا الفعل الشنيع، فالوطن هو العرض والشرف، فكيف لنا أن نتهاون مع من يبيع وطنه ويتآمر عليه مع الأعداء، وفي خضم تحريض الخونة في وسائل التواصل الاجتماعي؟

ويقول إن دعاوى التحريض ضد المصالح الوطنية سواء كانت عبر الشبكات الاجتماعية أو القنوات الفضائية تهدف للنيل من استقرار المملكة والتأثير في دورها الفاعل في خدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية وإرساء السلام الإقليمي والدولي، بل إن ذلك هو الهدف الأساسي لهذه الدعاوى البغيضة، وهو وقود محتواها ومضمونها المزعوم والخادع، مشيراً إلى أن خطورة مثل هذه الدعاوى يمكن في أن بعض فئات المجتمع ربما تتأثر بشكل أو بآخر ومن ثم ربما تتبنى طرح هذه الدعاوى وإرسالها وتداولها على نطاق أوسع.

تجنيد الشباب

ويذهب أستاذ علم الجريمة الدكتور محمد الشهراني إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من أقوى الوسائل التي تستخدم لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وفكرية، وعلى الرغم مما لها من إيجابيات في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية إلا أن لها تأثيرها السلبي على استقرار الدول والمجتمعات بعد أن بات واضحاً أنه يجري استخدامها لإثارة الفوضى والفتن وخاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

ويسعى أصحاب تلك الدعاوى المغرضة إلى تجنيد الشباب وإغوائهم عن طريق المنتديات وصفحات التواصل في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، مستغلين اندفاع وحماس الشباب نحو الجديد، وسرعة تأثرهم بالأحداث، وضعف الثقافة الدينية لدى بعضهم، وتدني مستوى الحصانة الثقافية والفكرية، ونقص الوعي لدى المراهقين.

ويشير البروفيسور المتخصص بعلم الجريمة ومكافحة الإرهاب الدكتور يوسف بن أحمد الرميح، إلى أن خيانة الوطن تصنف عالمياً على أنها من جرائم الخيانة العظمى، لافتاً أن كثيرا من دول العالم تنفذ حكم الإعدام بتلك الفئة، لاسيما عندما يخون المواطن وطنه لجهات معادية.

80 % من المغرر بهم ضحية لتحريض إلكتروني

يطالب قانونيون بسن تشريعات تجرم دعاوى التحريض ضد مصالح الوطن ويجرم كذلك عمليات السب والقدح، إلا أن الأهم هو تفعيل الأنظمة القائمة الخاصة بالجرائم المعلوماتية ونظام مكافحة الإرهاب وأخذها مأخذ الجد ليدرك الجميع قبل أن يطلقوا مثل هذه الدعاوى أو الشائعات أن هناك رادعا لكل من يثبت تورطه في ارتكاب مثل هذه الأفعال.

وتشير إحصائيات إلى أن 80% من الشباب الذين انضموا لجماعات الإرهاب تم استقطابهم بمثل هذه الدعاوى عبر شبكة الإنترنت والواقع يشهد على ذلك من خلال حوادث اعتداء بعض الشباب على أقاربهم الذين يعملون في أجهزة أمنية مثل ما حدث في القصيم وحائل على سبيل المثال. ويتفق القانونيون على أن «الخائن لوطنه يستحق أقصى العقوبات خصوصا، عندما يقدم على أفعال تُهدد استقرار الوطن ووحدته، فمن باع ضميره وأقدم على مثل هذه الأفعال وسمح للفساد والعبث أن يتسلل إلى أراضي وطنه يجب أن لا تمر فعلته دون عقاب رادع، فسلامة واستقرار الوطن أمر ليس فيه تهاون أو رحمة».

طاعن الفرقة في الرياض.. و«أبو حرب» أبرز استغلال لـ«الواتساب»

برزت بين العديد من القضايا التي استخدمت فيها وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا الواتساب، للتحريض والخيانة، قضية المتهمين بحادثة الطعن التي وقعت في حديقة الملك عبدالله في الملز بالرياض لإحدى الفرق الاستعراضية المشاركة في موسم الرياض، في ديسمبر الماضي 2019، إذ وجهت للمتهم الأول أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، تهمة تعمد إعداد وإرسال وتخزين ما من شأنه المساس بالنظام العام من خلال تصوير نفسه ملثّماً، وإلقاء قصيدة تتضمن تحريضا ضد هيئة الترفيه من جهازه الجوال وإرساله لآخرين عبر تطبيق التواصل الاجتماعي «واتساب».

كما برزت قضية الداعية التلفزيوني التي باشرتها المحكمة الجزائية المتخصصة، خلال سبتمبر 2018، الذي استغل شهرته ومتابعته من قبل أكثر من 6 ملايين متابع، باتهام أحدهم بتأييده جماعة الحوثي من خلال انضمامه لمجموعة إلكترونية في تطبيق التواصل الاجتماعي «واتساب» تظهر تأييدها لجماعة الحوثي الإرهابية والتستر على من قام بإنشائها، وتعريف نفسه في تلك المجموعة باسم حركي «أبو حرب».

باعترافالأمم المتحدة.. الإنترنت الأخطر على العالم

أقرت الأمم المتحدة في تقرير نشرته، عبر مكتبها المعني بالمخدرات والجريمة أنه رغم تزايد الإدراك الدولي للخطر الذي يشكله استخدام الإرهابيين للإنترنت في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يوجد في الوقت الراهن صك عالمي يتناول خصيصا هذا الجانب المتفشي من جوانب الأنشطة الإرهابية، وليس هناك سوى عدد محدود من البرامج التدريبية المتخصصة المعنية بالجوانب القانونية والعملية للتحقيق في قضايا الإرهاب التي تستخدم فيها الإنترنت والملاحقة القضائية بشأنها.

وبرزت المقولة الشهيرة للأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون بقوله «الإنترنت خير مثال يوضح كيف يمكن للإرهابيين أن يمارسوا نشاطهم على نحو عابر للحدود حقا وتصديا، لذلك ينبغي للدول أن تفكر وتعمل على نحو عابر للحدود أيضا».