-A +A
محمد الوسمي (مهد الذهب)alwasmi_mh@
«الموت الرحيم» يعرف بأنه القتل الذي يهدف إلى تخليص مريضٍ ميؤوسٍ من شفائه، ويسمى أيضا «الموت المعجل» أو الموت الذي يضع حداً لحياة مليئة بالألم والشقاء. وظهرت أدوية أو حقن تؤدي الغرض وتسهم في إنهاء حياة مريض لا يرجى شفاؤه بوسائل غير مؤلمة. ويقول المحامي صلاح ربيع: «إن السعودية تصدت لهذه الفكرة بالرفض التام وقامت بحظرها وعدَّت هذا التصرف سلوكا مجرَّما شرعاً ونظاماً»، إذ أمرنا الدين الحنيف بحفظ النفس وتحريم قتلها وجاءت جميع أحكامها لحفظ المقاصد الـ5: النفس، والدين، والمال، والعقل، والنسل، وبينت النصوص الشرعية تجريم الاعتداء على النفس «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»، سورة النساء، وقوله تعالى «وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ»، ويضيف المحامي ربيع، أن جميع القوانين والتشريعات في أكثر بلدان العالم لا تقر الموت الرحيم لأي سبب من الأسباب، وتُوجب العقاب على من يقوم به، فقد وضع القانون السعودي عدة التزامات على الطبيب الممارس؛ منها التزامه بالحصول على الإذن الطبي لأي إجراء طبي، وعرّفه بأنه موافقة المريض أو من يمثله أو وليّه للمنشأة الصحية والممارسين الصحيين على الإجراءات اللازمة لحفظ الصحة واستردادها. وجاء في نظام مزاولة المهن الصحية بالمادة التاسعة عشرة «يجب ألا يجري أي عمل طبي لمريض إلا برضاه، أو موافقة من يمثله أو ولي أمره إذا لم يعتد بإرادته، واستثناء من ذلك يجب على الممارس الصحي في حالات الحوادث أو الطوارئ أو الحالات المرضية الحرجة التي تستدعي تدخلاً طبياً بصفة فورية أو ضرورية لإنقاذ حياة المصاب أو إنقاذ عضو من أعضائه، أو تلافي ضرر بالغ ينتج من تأخير التدخل وتعذر الحصول على موافقة المريض أو من يمثله أو ولي أمره في الوقت المناسب إجراء العمل الطبي دون انتظار الحصول على تلك الموافقة ولا يجوز بأي حال من الأحوال إنهاء حياة مريض ميؤوس من شفائه طبياً، ولو كان بناءً على طلبه أو طلب ذويه». ويعاقب مرتكبو هذه الفعلة من المرخصين بمزاولة المهن الصحية وفق المادة الثامنة والعشرين في النظام ذاته بالسجن لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد على 100 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين.

الطبيب القاتل !


عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله سليمان المنيع، أوضح في رد على سؤال في برنامج فتاوى عن جواز استخدام الطبيب للإبرة للتعجيل بموت الشخص الميؤوس من حياته، أن هذا الفعل محرم ولا يجوز شرعاً، ويعتبر الطبيب قاتلاً للنفس. وأردف المنيع: «لست أنت أيها الطبيب ارحم والطف من رب العباد، وإذا أقيمت على الطبيب دعوى قد يصدر صك بالقصاص من الطبيب».

من جانبه، يوضح أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة القصيم الدكتور خالد بن عبدالله المصلح، أن هناك عدة وقفات حول حكم القتل الرحيم أو قتل الرحمة أو القتل بدافع الشفقة: الأولى، القتل الرحيم ومفهومه وهو إنهاء حياة مريض ميؤوس من شفائه طبياً، بفعل إيجابي يفضي إلى موته، كأن يعطيه جرعة عالية من دواء قاتل، أو عقار معين، أو حقنة مميتة، أو نحو ذلك، ويكون ذلك بناءً على طلبه الصريح أو الضمني، أو طلب من ينوب عنه، وسواء قام بتنفيذه الطبيب أو شخص آخر بدافع الشفقة وذلك للحد من آلامه المبرحة وغير المحتملة ولذلك سمي رحيماً.

الجناية على النفس.. حرام

يوضح الدكتور خالد المصلح، الأحاديث الواردة في تحريم الجناية على النفس، ومن أبرزها قَاَل َرسول اللهِ صلَّى الله عليه وسلَم: «َلا َيَحُّل َدم امرئ مْسلم، يَْشَهُد أَن لا إلَه إلا الله أَنّي رسول الله، إلا بِإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيُب الزانّي، والمارق من الدين التارك الجماعة». وهذا بيان عن القتل بحق وليس منه ما يسمى بالقتل الرحيم، ومنها ما في الصحيحين أيضاً من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب في حجة الوداع فقال في أعظم جمع في عهد النبوة: «إن دماءكم وأَموالُكم حرام عليُكم كحرمِة يوِمُكم هذا ِفي شهِركم هذا في بلِدكم هذا ووجه الاستدلال: التأكيد الشديد على حرمة الدماء المعصومة ومن الإجماع: قول القرافي رحمه الله: الحيوان الذي لا يؤكل إذا وصل في المرض لحد لا يرجى هل يذبح تسهيلاً عليه وإراحة له من ألم الوجع؟ الذي رأيته المنع إلا أن يكون مما يذكى لأخذ جلده كالسباع».

عدوان آثم

الوقفة الثانية -طبقاً للدكتور خالد بن عبدالله المصلح، تمضي إلى القتل الرحيم وحكمه، إذ لا يخفى على بصير أن أحد مقاصد الشريعة الكبرى حفظ النفس، لذلك توافرت النصوص في القرآن العظيم والسنة المطهرة على تأكيد حرمة النفس البشرية ووجوب حفظها وصيانتها وأنه لا يجوز الاعتداء عليها بغير حق، ولهذا فإنه لا خلاف بين أهل العلم في أن الإقدام على فعل كل ما يفضي إلى إزهاق الروح مما يسمى بالقتل الرحيم قتل محرم وعدوان آثم لا يغيب قبح الجناية فيه كون الدافع وراءه، والحامل عليه، الشفقة والرحمة بالمريض وإراحته من عناء الألم والمرض. وهو صورة من صور القتل العمد لتوافر نية القتل عند المباشر لعملية القتل، ولهذا فإن ما يسمى القتل الرحيم حرام شرعاً دل على ذلك عموم آيات الكتاب الحكيم والسنة الشريفة وإجماع أهل العلم فكل الآيات التي تحرم الجناية على النفس يندرج فيها ما يسمى بالقتل الرحيم كقول الله تعالى: ﴿ولا تقتلوا أَنفسُكم إِن اللَّه كان بُِكم رِحيماً﴾، وكقوله تعالى في الوعيد على هذه الجناية: ﴿وَمْن يَْقتُْل ُمْؤمنًا متََعمًدا فَجَزاؤهُ جَهنَّم خالدا فيَها وَغضب اللَّه َعلَْيه ولعنَه وأعَّد لَه َعَذابا عظيما﴾، وكقوله تعالى: ﴿ولا تقتلوا النَّفس التي حرم اللَّه إلا بالحق﴾ وقتل المريض المدنف أو الميؤوس من عافيته قتل بغير حق، فالقتل بحق حددته الشريعة بحد لا يلتبس وليس منه ما يسمى القتل الرحيم.

الصحة: أسلوب مرفوض

يرفض المواطن عبدالله عايض المطيري، استخدام إبرة الرحمة على أحد من عائلته أو المقربين له أو نزع الأجهزة الطبية، مشيراً إلى أن من يفعل ذلك سيعيش بقية حياته تحت تأنيب الضمير لو سمح لهم بذلك «كيف الناس تطاوعهم قلوبهم على إنهاء حياة أقربائهم، فالله رحيم بعباده وقادر على إحياء الموتى وشفاء المرضى، فالأمل بالله الرحيم اللطيف بعباده أقوى بكثير من إبرة الرحمة أو الموت المعجل». وفي الحديث عن رفع أجهزة الإنعاش عن المريض الميت دماغياً، أكد الدكتور طبيب مقيم في قسم طب الطوارئ فادي قارة، أن قراراً كهذا يعود للأهل، ويتم التوصية بذلك من قبل الطبيب المسؤول عن حالة المريض بعد التأكد من موته دماغياً بشكل كامل دون أمل. وطبقاً لوزارة الصحة على لسان الوكالة المساعدة للتواصل فإن اللجوء إلى استخدام ما يسمى بإبرة الرحمة أو الموت المعجل، في مستشفيات الصحة مع المرضى الذين لا يرجى برؤهم، إنه لا يتم استخدام ذلك في جميع مستشفيات الوزارة. وفي ما يتعلق بتعامل منشآت الصحة مع الحالات التي لا يرجى برؤها، فإنه يتم التعامل مع كل حالة على حدة حسب التشخيص، ووفق المعايير الأخلاقية، القانونية، الشرعية، والطبية.

المتسبب في الجريمة

أجمع الناس على منع ذلك في حق الآدمي، وإن اشتد ألمه، وأشار ابن قدامة -رحمه الله- إلى نحو ذلك في قوله: أجمع أهل العلم، على أن الحر المسلم يقاد به قاتله، وإن كان مجدع الأطراف، معدوم الحواس، والقاتل صحيح سوي الخلق، أو كان بالعكس. وكذلك إن تفاوتاً في العلم والشرف، والغنى والفقر، والصحة والمرض، والقوة والضعف، والكبر والصغر، والسلطان والسوقة، ونحو هذا من الصفات، لم يمنع القصاص، بالاتفاق، وقد دلت عليه العمومات. وقد صدر قرار المجمع الفقهي؛ بتحريم الجناية على حياة المريض الميؤوس منو بصورة إيجابية حيث نص على أن «إنهاء حياة المريض الميئوس منه بصورة إيجابية أمر ترفضه الشريعة والقوانين، ويعتبر من يجهز على المريض قاتلا يستوجب القصاص منه. ويشارك في إثم هذه الجريمة المتسبب في ذلك سواء بالإذن لمن يباشر القتل من أولياء المريض، إذ ليس لأحد الحق في الإذن بمثل ذلك لا المريض ولا أولياؤه.