زهير نواب
زهير نواب




خليفة العبري
خليفة العبري
فريال بوربيع
فريال بوربيع
-A +A
خالد طاشكندي (جدة) okaz_online@
أثار الزلزال الذي ضرب منطقة قريبة من محطة بوشهر النووية في إيران الجمعة الماضية وبلغت شدته 5.1 درجة بمقياس ريختر، بحسب ما ذكرته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، سلسلة من المخاوف حول الكوارث البيئية المحتملة من المشاريع النووية الإيرانية، نتيجة لأنشطتها المشبوهة وعدم التزامها بالاشتراطات الدولية وما يتعلق منها بمعايير السلامة، وهو ما يعزز أيضاً الشكوك حول قدرة السلطات الإيرانية على التعامل مع أي طارئ فيما لو أصاب مفاعلها أي ضرر أو عطل، وبحسب خبراء، تقع محطة بوشهر في محيط خط زلازل سلسلة جبال زاغروس التي تمتد من منطقة كردستان بين تركيا والعراق وإيران شمالا حتى مضيق هرمز جنوباً، إضافة إلى احتمالية استمرار الزلازل والهزات الأرضية في إيران بشكل دائم خلال السنوات القادمة نتيجة لتصادم صفيحة الجزيرة العربية المتحركة صوب الصفيحة الفارسية، وهو ما يضاعف من احتمالية وقوع كوارث بيئية نتيجة الأنشطة النووية العبثية التي يديرها النظام الإيراني.

ووقع الزلزال الذي وصف بأنه «متوسط الشدة»، في الساعة الثانية فجراً بتوقيت غرينتش، على عمق 23.8 كيلومتر، واعتبر متوسط الشدة، ويبعد مركزه بنحو 53 كيلومترا عن محطة بوشهر النووية الواقعة على الساحل الجنوبي لإيران والمطل على الخليج العربي، وهو ما قد يشكل خطراً جسيماً على المنطقة والعالم ويعرض حياة ملايين البشر للخطر جراء التجاوزات الإيرانية في معدلات تخصيب اليورانيوم وعدم الالتزام بالمعايير الدولية إضافة إلى تجاهل النظام للتحذيرات الصادرة من الهيئات الدولية المتخصصة، والتي تحدثت في سلسلة من التقارير عن احتمالية تعرض مفاعل بوشهر النووي الإيراني لكوارث بيئية بسبب موقعه الجغرافي الواقع في نطاق يعد من أكثر مناطق العالم تعرضاً للزلازل، وهذا عدا الشكوك حول معايير السلامة المطبقة مجملاً في منشآت إيران النووية، حيث تمتلك إيران عددا من المحطات والمنشآت النووية أهمها مفاعل آراك لإنتاج الماء الثقيل، ومحطة بوشهر الكهرذرية، ومنجم غاشين لليورانيوم، ومحطة أصفهان لمعالجة اليورانيوم، ومنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، وموقع بارشين العسكري، ومحطة قم لتخصيب اليورانيوم، وجميعها تثير المخاوف بسبب مراوغة النظام في الالتزام باشتراطات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ناحية وعدم الالتزام ببنود الاتفاق المبرم مع مجموعة (5+1) في 2015. وهناك مخاوف لا محدودة عديدة حول مفاعل بوشهر تحديداً، نتيجة وقوع المحطة في منطقة زلازل وهو ما قد يعرضها لكوارث بيئية وصحية، حيث تشترط المعايير الدولية أن يقع المكان في منطقة غير سكانية وبعيدة عن نطاق الزلازل وهو ما لا تطبقه إيران، كما أن هناك شكوكا عديدة من قبل الخبراء الدوليين حول مستوى معايير السلامة في المنشآت النووية الإيرانية وهو ما يضاعف من هذه المخاوف، خاصة وأن دولا متقدمة تعرضت لخطر التسربات النووية رغم أنها تفوق إيران قدرة والتزاما في التعامل مع المشاريع النووية، من بينها حادثة محطة جزيرة «الثلاثة أميال» النووية في مقاطعة دوفين بولاية بنسلفانيا الأمريكية في عام 1979، وكارثة مفاعل «تشيرنوبل» في أوكرانيا عام 1986، وحادثة محطة «فوكوشيما» في اليابان عام 2011، وهذه دول تعتبر أكثر تحصناً وتقدماً في المجال النووي ومعايير السلامة ومع ذلك لم تسلم من الحوادث النووية الخطيرة، فكيف يكون الوضع مع المشاريع النووية الإيرانية المشبوهة والمخالفة للقوانين الدولية.


وشكك تقرير سابق صدر عن معهد التحقيقات الاستراتيجية في لندن، في قدرة النظام الإيراني على توفير الضمانات الأمنية الكافية للمنشآت النووية في إيران، مشيراً إلى أن خطر السلاح النووي الإيراني على أمن منطقة الخليج يعد مسألة افتراضية باعتبار أن نظام «الملالي» لا يمتلك الأدوات الكافية لإنتاج هذا السلاح المدمر، وبين أن الخطر الحقيقي من محطة بوشهر النووية يكمن في أنها عرضة للمخاطر الطبيعية.

وفي العام 2003 أوقع زلزال بقوة 6,6 درجة في محافظة كرمان (جنوب شرق) أكثر من 31 ألف قتيل ودمر بلدة «بام» التاريخية، في ما كان الزلزال الذي وقع عام 1990 وبلغت قوته 7,4 درجة في شمال إيران، أشد الزلازل دموية في البلاد، مخلفاً 40 ألف قتيل و300 ألف جريح ونصف مليون مشرد.

المنطقة معرضة لهزات متوسطة وعالية

أوضح رئيس هيئة المساحة السعودية السابق الدكتور زهير نواب، في تصريحات إلى «عكاظ» أن طبقة القشرة الأرضية لشبه الجزيرة العربية «حركية» وتتحرك إلى الشمال الغربي للطبقة الأوروآسيوية، وبالتالي هي منطقة صدام بين لوح الجزيرة العربية واللوح الفارسي تتكون على إثره الزلازل التي تشهدها المنطقة حالياً وخاصة على امتداد سلسلة جبال زاغروس في إيران، وهو ما يجعل المنطقة معرضة باستمرار لهزات متوسطة وعالية. وقلل الدكتور نواب من المخاوف الكبيرة حول خطر الزلزال الأرضي الأخير على منطقة بوشهر، مؤكداً أن درجة 5.1 تعتبر من الهزات المتوسطة وقليلة التأثير، مضيفاً أن المعايير الأساسية للمفاعلات النووية تحتمل الهزات الأرضية إلى درجات تصل ما بين 7 إلى 8 بمقياس ريختر، وأنه عادة لا بد من وجود معايير سلامة أساسية في هذه المفاعلات حفاظاً على سلامة السكان المحليين.

التوعية تقلص المخاطر

قال رئيس قسم الرصد الزلزالي بالمركز الوطني الإماراتي للأرصاد خليفة العبري لـ«عكاظ»، أنه لا بد أن هناك معايير سلامة أساسية لأي محطة نووية من بينها تحمّل الزلازل القوية ما بين 7 إلى 8 درجات إضافة إلى تهيئة أنظمة الإغلاق التلقائي للمفاعلات عند وقوع الزلازل، خاصة وأن المنطقة مهددة بالهزات الأرضية بشكل مستمر، مؤكداً أن درجة قوة الزلزال الأخير التي بلغت نحو 5.1 تعتبر من الدرجة المتوسطة وفي النطاق الطبيعي ولا تشكل تهديداً.

وأوضح العبري أن هذه الزلازل والهزات المتعاقبة، هي نتيجة تصادم الصفيحة العربية مع الصفيحة الأوروآسيوية، مبيناً أنه من الصعب التنبؤ بحدوث زلازل قوية ومدمرة في المنطقة.

كما شدد على أهمية التركيز على نشر التوعية باشتراطات السلامة وكيفية التعامل مع الحوادث الزلزالية، والالتزام بمعايير البناء المقاومة للزلازل، وهو ما يساهم بشكل فعّال في تقليص أي مخاطر محتملة ويمكن البشر من التعايش بأكبر قدر من الأمان مع أي درجة من الهزات المحتملة لا قدر الله.

وكانت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية في المملكة قد أكدت في بيان لها (الأحد)، أن شبكة الرصد الإشعاعي البيئي والإنذار المبكر لم ترصد أي تغيرات حتى تاريخه في المستويات الإشعاعية في أجواء المملكة، مؤكدة أنها تتابع الأوضاع البيئية إثر الزلزال الذي ضرب إيران (الجمعة) الماضي.

وأكدت الهيئة تحقيق أهدافها الرئيسية المتمثلة في حماية الإنسان والبيئة والتحكم بالممارسات الإشعاعية والنووية ومراقبتها في المملكة، وكذلك الإيفاء بالتزامات المملكة في المعاهدات والاتفاقات الدولية.

صغيرة القوة.. لكنها نذير

حول مخاطر الزلازل في المنطقة، قالت أستاذ علم الزلازل في قسم علوم الأرض والبيئة بجامعة الكويت الدكتورة فريال بوربيع، في تصريحات إلى «عكاظ»، إن دراسات التاريخ الجيولوجي في المنطقة ودولة الكويت أظهرت وجود نشاط «تكتوني» زلزالي قديم، وقد سجلت الشبكة الوطنية الكويتية لرصد الزلازل منذ إنشائها في 1997 العديد من الزلازل «صغيرة القوة» وعددا من الزلازل «متوسطة الشدة» وتشير إلى استمرار التحركات الأرضية حتى الآن، مبينة أن دول الخليج تتأثر من الزلازل التي يتكرر حدوثها على حزام سلسلة جبال زاغروس غرب إيران نتيجة تصادم القشرة الأرضية بين الجزيرة العربية وإيران، ويشعر بها سكان الخليج، ومن بينها الزلزال الذي وقع في كرمنشاه عام 2017 وشعر به سكان الكويت رغم بعده بمسافة 600 كيلومتر.

ورغم أن الزلزال الذي وقع في بوشهر صباح (الجمعة) الماضي كان «متوسط الشدة» ولم يتسبب في خسائر جسيمة، إلا أن الدكتورة بوربيع التي سبق وأن دعت إلى التخلي عن المشاريع النووية في المنطقة، حتى وإن كانت مشاريع هدفها إنتاج الطاقة الكهربائية، ترى أن زلزال بوشهر نذير قوي على الخطر الزلزالي الإقليمي على دول الخليج والذي يتمثل في الزلازل القوية والمدمرة على حزام زاغروس، مستشهدة بزلزال كرمنشاه في نوفمبر 2017 ولزلزال إقليم الماكران، جنوب شرقي إيران، الذي وقع في 28 نوفمبر عام 1945 ويعد أكبر زلزال شهدته المنطقة في القرن العشرين.

وأكدت بوربيع أن تكرار حدوث زلازل صغيرة ومتوسطة على حزام زاغروس يعد «نذيرا قويا» لا بد أن نتنبه إليه تحسبا لوقوع زلازل قوية ومدمرة والتي يمكن تقليل مخاطرها والتعايش معها بأقل قدر من الخطورة والخسائر، وذلك من خلال: إقامة المنشآت طبقا للتصميمات الهندسية المقاومة للزلازل، وتوعية أفراد المجتمع بالسلوك الأمثل أثناء حدوث الهزات الأرضية، حيث إن الكثير من الخسائر تنجم عادة نتيجة سوء التصرف وضعف الجوانب التوعوية، مشددة على حدوث الزلازل ظاهرة لا يمكن منعها أو تجنبها ولكن يمكن التعايش معها بأمان.