المهدي أخريف
المهدي أخريف




المهدي أخريف متحدثا للزميل علي الرباعي.
المهدي أخريف متحدثا للزميل علي الرباعي.
-A +A
حاوره: علي الرباعي (أصيلة) Al_ARobai@
أسعدتني (الصُّدف) بقراءة كتاب (اللاطمأنينة) لفرناندو بيسوا، ترجمة المترجم الأنيق، الشاعر المغربي المهدي أخريف، والترجمة فتنة؛ زادت الكتاب وهجاً ووضاءة، وتلبستني قناعة أن المترجم رحل عن دنيانا، وفي مركز الحسن الثاني الثقافي، بمدينة أصيلة، وجدتُ اسم (سي المهدي) على منحوتة جدارية، فسألتُ؛ الصديق؛ حاتم البطيوي، عنه، فقال؛ موجود، ويسكن قريباً، ولم تمر ساعات، إلا ونحن معاً لنخرج من سهرة مثاقفة، بهذا الحوار:

• متى انقدحت شرارة الكتابة والترجمة؟


•• قبل الترجمات، أنا شاعر، بدأتُ الكتابة والنشر وعمري (12) عاماً، ونشرت لي صحيفة العلم عام 1964 (قصيدة سوف أحيا) مستوحاة من أغنية لفيروز، وشكك مدير المدرسة في قدراتي، وارتاب أصدقائي، ولم ألتفتُ لردات الفعل، بل أخذتُ الأمر بجديّةٍ أكبر، واعتنيتُ بما يعزز حضوري، ويمتّن لغتي، ويثبتُ جدارتي مستقبلاً.

•من أين أتيتَ بهذه اللغة العذبة؟

•• أصدقك القول، إنني أتفاجأ أحياناً، بكتابة أو ترجمة لي، ولا أدري من أين جاءت، إلا أنّي مُخْلِص، للقراءة، وعاشق، للغة العربية، ومتيّم بكل نص فاتن.

•هل لديك بعض نصوص البدايات؟

•• حزين أني تخلّصت من الكثير، كوني مؤمناً بالتجدد، ولم أكن ألتفتُ للوراء، ليمكنني تفادي تأثيرات العمل السابق، وتداعياته.

• بماذا تصف نفسك (المترجم أم الشاعر)؟

•• لم أحفل بشيء قدر العناية، بمواصلة إيقاع الكتابة، تشعبت أجناس كتابتي، بين الترجمة والشعر والنثر، الشعر كتبتهُ بلغات، وأشكال مختلفة، ويعنيني ما يبقى في ذاكرة الناس مما قدّمت. أعترف أن الجمع بين كتابة الشعر وترجمته ونشره على مدى يقرب من خمسة عقود ليس أمراً هيّناً ولَا مُرْضيًا ولا مُنْصِفًا، فما جَرَى معي هو أنَّ صُورة المترجم ومكانته حَجبتْ، وبخاصة في المشرق، مكانةَ الشاعر، ناهيك عن مكانةِ الكاتب المتعدّد الأوجه والمساهمات الذي رافق وزاحم -أحيانًا- إنتاجًا وقيمة، عطاءات المترجم الشاعر أو الشاعر المترجم لا فرق.

• ما دور ذائقتك الشعرية في ترجماتك؟•• لستُ مترجماً مُحترفاً، ولن أكون، بالطبع؛ هناك مُغذيات وعوامل تصب كلها في مصلحة الترجمة؛ منها المكان.

• ماذا تعني لك أصيلة؟•• مدينة على مقاسي، وتمثّل لي فردوساً، علماً بأني وُلدت في منطقة جبلية، وبقيتُ مرتبطاً بأصيلة، منذ 60 عاماً، وهي مصدر الإلهام، في الحياة والكتابة.

• ألا تُعد الترجمة خيانة للنص؟•• لا أميل لمثل هذه الأحكام العامة الجاهزة؛ الجائرة، هناك ترجمات سيئة ينطبق عليها وصف الخيانة، بحكم الدوافع المادية والنفعية.

• هل هناك استهانة بالترجمة؟•• نعم وتسيّب واستخفاف، تزايد الترجمات ليس دليل صحة أو تعاف، بل ربما يغدو حالة مرضيّة، كمّ دون نوع، ولا غاية فنيّة أو أدبية أو معرفيّة.

• ما هو مقترحك للحد من وفرة الترجمة؟•• المراجعة والفحص، قبل النشر، وأعلم أنه من العسير ضبط الأمور، هناك ترجمات كارثية، وترجمات مرّت على مترجمين كبار، وهناك ترجمات رُوجعت وأُنتقدت.

• هل من نماذج لترجمات رديئة؟•• ترجمات شكسبير، وبعض ترجمات بودلير، ولوركا، وأنا حاولتُ ترجمة لوركا ولم أنجح، ربما من شروط الترجمة تلاقي الأرواح والأمزجة والأحاسيس.

• كيف تعرفت على الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا؟•• الفضل للغة الإسبانية، وفي طنجة السبعينات تعرفتُ عليه، ثم انشغلتُ به، ثم تفرغتُ له.

• ما سرّ هذه الحميمية بينك وبينه؟ •• لقائي ببيسوا حدث مؤثر في حياتي، واكتشاف، كان لا بد أن يحدث، عندما قرأتُ (فرناندو بيسوا) لأوّل مرة انجذبتُ إليه، اكتشفتُ القارة التي شكّلها وكوّنها فتعلقتُ بعالمه، يصفني البعض بالندّ له، وإن لم أشعر بذلك، لكني اتسعتُ بقدر اتساع وتعدد الشاعر الذي ترجمتُ له (اللاطمأنينة)، هناك مفاتيح لنجاح الترجمة منها ما ندركه، ومنها ما لا يُدرك، وعندما أعود لقراءته أشعر كأنه مكتوب بالعربية، ومرةً (انهمرتْ دموعي) وأنا أُترجمه، لشدة تأثري بالشخصية بالغة الثراء الإنساني.

• ما أبرز غرائبية في شخصية (بيسوا)؟•• إنسان هادئ، موظف بمكتب تجاري، يُخفي وجهه الأدبي، يفرض على رؤسائه ألا يزيد دخله عن 50 دولارا، كونها كافية لعيش كريم، في ذلك الوقت، له ثلاث بدلات فقط، وربطة عنق فراشة، وهو لطيف مع الناس ومهذّب، وترك إرثاً كبيراً بما فيها كتب التنجيم والنبؤات.

•كم استغرقت الترجمة لكتاب (اللاطمأنينة) وقتاً؟•• تقريباً عامان، وكان عملاً صعباً وشاقاً ولكنه يستحق.

• ماذا تشعر أنك أضفت له بالترجمة؟•• المُعادل اللغوي الجمالي والفني والدلالي، خصوصاً وأنا أُترجم لقارئ عربي لا يأسره إلا المُدهش.

• كيف ترى ثراء اللغة العربية، واستيعابها لكل اللغات عبر الترجمة إليها؟•• معرفتي بالعربية وعملي بها وفيها، يجعلني أتجاوز الاعتزازُ بها، إلى العشق، والسكنى فيها، محظوظ في حياتي أني أستظل بأثرى وأغنى وأرقى اللغات وأحفلها بمسالك لا نهائية.

• ماذا عن حقوق المُترجم؟•• مهضومة؛ حقيقةً ومجازا،ً أسعدُ عندما أعرف أن ترجماتي تُقرأ وتصل للناس.

• ألا تُضعف الترجمة مشروعك الشعري؟•• بالعكس أثرته، وكانت تفتح لي آفاقا، وتمنحني ينابيع إضافية.

• هل تفرغتَ للكتابة؟•• تقاعدتُ، وتفرغتُ للكتابة منذ عام 2000، زوجتي إنسانة رائعة وهي أستاذة للغة الفرنسية، ولي ابنة واحدة (ندى) محللة اقتصادية، ونحن أسرة هانئة وهادئة، وأنا سعيد جداً في حياتي.

• ماذا عن ترجمة أدبنا العربي للآخرين؟••هناك جهود متواضعة، واجتهادات فردية تحتاج التنسيق فيما بينها، مع الأسف الذين يقدرون لا يفعلون، والذين يفعلون متواضعون وترجماتهم ضحلة، وهناك لاهثون وراء الترجمات، ولا أدري على من يقع اللوم.

• بماذا تحتفظ ذاكرتك من أسماء المترجمين؟••ربما سامي الدروبي وصالح علماني، وآخرون لا تحضرني الأسماء الان.

• هل بقي لديك مفاجآت بشأن بيسوا؟•• ربما هناك شعراء من الأرجنتين، والبيرو، والشعر يستحق كل عناية.

• لمن أحمل سلامك في بلادي؟•• للشاعر الكبير محمد العلي، ولكل قارئ شغوف بالإبداع وباحث عن مظان الكلمة الصادقة المُعبّرة عن أشواق وتطلعات الإنسان.