علي النحوي
علي النحوي
-A +A
حاوره: علي فايعalma3e@
الشاعر السعودي علي النحوي لا يحتاج لمقدمة تكشف للقارئ من يكون، يكفي أن تقرأ هذا الحوار، لتكتشف أنك أمام شاعر وصاحب تجارب شعرية في الكتابة، فيها ما طبع في ديوان كـ«أنثى النّرد» و«سلافات» وما ينتظر الطباعة كـ«اليتيمات» و«ما لم يقله أبو العلاء»، وأمام مثقف يلفت انتباهه كلّ ما حوله بوعي وانتماء وطني لا يُساوم عليه.. فإلى الحوار:

• ابتداء كيف ترى مشهدنا الإبداعي بشكل عام؟


•• المشهد الإبداعي والثقافي والفكري في السعودية محط اهتمام ومراقبة المهتمين، لأنه يمر بتحولات غير عادية، ولأنه يفاجئ المتابعين بإنجازات جادة ومؤثرة في هذه المجالات.

مشهدنا الثقافي متعدد ومتنوع، لأننا نعيش على مساحة جغرافية شاسعة، كل منها يمثل امتداداً لعمق حضري وتاريخ ثقافي، ويتعالق مع جوار ثقافي معين يتأثر به ويؤثر فيه.

باختصار مشهدنا الثقافي بتحولاته المختلفة لم يعد هامشاً، كما أننا لم نعد ممن يصفونهم بالأطراف بل أصبحنا مركزاً مهماً مؤثراً، وذلك يتماشى مع نهضتنا في الجوانب الأخرى.

• لديك تجربة جديدة في الكتابة الشعرية بعنوان «ما لم يقله أبو العلا»، حدثنا عنها.

•• «ما لم يقله أبو العلاء» تجربة شعرية جديدة أعمل عليها، وهي وليدة تجربة فكرية مديدة، وصحبة مع رموز الفكر العربي الذين يمثلون علامات تحول في الفكر العربي كأبي العلاء المعري وطه حسين وغيرهما.

هذه التجربة تعتمد على التأملي والفكري والفلسفي، وهي ليست التجربة الأولى، لكنها تركز على العقلي أكثر من العاطفي، وكأنها محاولة لرصد نبضي العقلي الخاص وشعرنته.

هذه التجربة آثرت أن أقدمها على هيئة نصوص تفعيلة متوسطة، وستمثل ديواناً كاملاً مكوناً من 100 نص، وسيكون كل 25 نصاً قائماً على تفعيلة مختلفة.

أرجو أن يكتمل هذا المشروع ويرى النور قريباً.

• المشهد الإبداعي لدينا، هل ما زالت خارطته تعاني من محدودية النظر؟

•• المشهد الإبداعي لدينا لا شك أنه يعاني من أزمات وهو قادر على تجاوزها وتخطيها.

هناك بعض العاملين في هذا المجال بمؤسساتنا الإبداعية محدودو النظر وأحياناًُ يقدم مصلحته الشخصية على المصلحة الثقافية، ولعل تجربتنا مع الأندية الأدبية وما أسفر عنها أحد شواهد ذلك، ولعل من أهم الأزمات المرتبطة بذلك ما يعرف بـ«الشللية» وهو مرض مستشرٍ في مشهدنا الإبداعي، وأراه من أهم معوقات الحركة الإبداعية في مملكتنا الحبيبة.

على كل حال هناك متغيرات كثيرة لا يمكن أن يدركها بعض المتشبثين بكراسيهم في المؤسسات الثقافية المختلفة بخاصة إذا أصروا على العمل مع فريقهم السابق، وذلك أحد أسباب قصر النظر في هذا الجانب.

اليوم نحن بحاجة لمناقشة هذه الإشكالات ومقاربتها وتفكيكها والخروج بموقف تجاهها، لنساعد في حركة نهرنا الإبداعي بعيداً عن هذه العراقيل المختلفة التي تشوهه أحياناً أو تشتغل ضده للأسف.

• لماذا أنت ضد الكتابة عن الآخرين والاحتفاء بهم؟

•• يمكنني القول إنني مع الكتابة عن الآخرين والاحتفاء بهم، بعيداً عن المجاملة والتملق والمبالغة، ودون تجاهل من يستحق الكتابة وإبراز التجارب الهشة أو الضعيفة لاعتبارات معينة. الكتابة عن المبدعين والمثقفين والمفكرين والمنجزين من أهم ما يعزز الحركة الثقافية، بشرط أن تكون واعية وموضوعية.

• هل أنت مع من يرى أنّ على الشاعر أو المبدع البقاء في شبكات التواصل في شعره وإبداعه بعيداً عن السياسة والمواقف الوطنية؟

•• رأي كهذا يقلص من دور المثقف ويستهين به. ليس من الضرورة أن يكون المبدع مثقفاً سياسياً، لكن في الوقت ذاته ليس من المعيب أن تتعدد اهتمامات المبدع فيكون مثقفاً سياسياً.

أن تفهم ما يدور حولك وأن تكون قادراً على قراءته وتحليله من الأهمية بمكان، وترتفع درجة هذه الأهمية حينما يرتبط الأمر بوطنك، فمن المهم أن تكون مثقفا ثقافة واسعة في ما يرتبط بقضايا وطنك السياسية، كما ينبغي أن تدرك ما يحدث في محيطك الإقليمي وموقعك من الخارطة السياسية العالمية.

علاقة المثقف بالسياسة ليست جديدة، ولعل تجربة الشاعر التشيلي بابلو نيرودا تشكل إجابة على سؤال كهذا حيث كان من أكثر المبدعين تأثيراً سياسياً، أرجو من القارئ الكريم أن يطلع على هذه التجربة ليتجاوز عقدة ثنائية الثقافي/‏‏السياسي.

• علاقتك بالغناء والموسيقى حميمة، كيف تشكّلت هذه العلاقة؟

•• قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أؤكد على أنني بصدد إصدار ديوان شعري احتفيت فيه بعدد كبير من الفنانين العرب كعيسى الأحسائي وأبوبكر سالم ومحمد عبده وخالد عبدالرحمن وعبدالكريم عبد القادر وفيروز وغيرهم.

أما علاقتي بالغناء والموسيقى فهي علاقة عميقة جداً؛ حيث إني أراهما أحد مصادر الإلهام المهمة، والعلاقة بين الشعر والموسيقى علاقة جذور أي لا يمكن أن تكون شاعراً ما لم تكن صاحب حس موسيقي، أما التعالق اللافت مع الغنائي والموسيقي فيقع في دائرة اهتمامي الواسع بالجمالي والفني؛ حيث إني عملت على التعالق من الفن السينمائي والدرامي والتشكيلي والضوئي وغير ذلك، وكان لكل فن أثر كبير على تجربتي الشعرية.

إن إلحاحي على حضور الغناء والموسيقى في تجربتي الشعرية هي محاولة لإعادتها إلى دائرة ثقافتنا الاجتماعية؛ حيث إنهما وضعا في خانة المحرم والممنوع وجرما تجريماً عجيباً، بينما أراهما إحدى علامات الوعي الاجتماعي، أقول ذلك في الوقت الذي أجد به عدداً من مبدعينا يتحرج من النهل من هذه المدارس الفنية والتأثر بها أو الاحتفاء برموزها مع ما تركوه من أثر مهم في ثقافتنا.

• هل مشاريعك «السلافات» و«اليتيمات» وحالياً «ما لم يقله أبو العلاء» وليدة لحظة؟ أم أنها أفكار تكبر في مخيلتك وتتمدد على الورق؟

•• فكرة المشروع الشعري الذي يربط نصوصه سلك فني ما ليست جديدة بالنسبة لي وهي وليدة ثقافة متعددة تكاد تتصارع في ذاكرتي وتترك أثراً في عقلي قبل أن تترك أثراً في نصوصي.

تجربتي مع الثلاثيات الفلسفية التي أسميتها «السلافات» جاءت من رحم عزلة عشتها لسنوات في محرق البحرين؛ حيث كنت موفداً للتعليم هناك، وكانت وليدة قراءات عميقة، وهي عبارة عن 100 نص مختصر ومكثف وعميق لاقت انتشاراً واسعاً وقلدها عدد من الشعراء والشاعرات وهذا ما أبهجني. أما تجربة «اليتيمات» فهي تجربة أكثر تركيزاً وتكثيفاً، فهي عبارة عن 300 بيت شعري أغلبها في الغزل، كل بيت يمثل معنى مكتملاً، لذا أسميتها «اليتيمات».

هذه المشاريع الشعرية ليست مرتجلة أو وليدة لحظة، بل هي خلاصة قراءات متعددة وصراعات مختلفة ورغبة في تقديم تجارب شعرية ذات قيمة جمالية مغايرة.

• هل لديك مشكلة في تمكين الشباب من إدارة المشهد الثقافي والإبداعي لدينا؟

•• لست ضد تمكين الشباب من إدارة المشهد الإبداعي والثقافي بل معه بشروط. أنا ضد أن يدير مشهدنا الإبداعي والثقافي شاعر أو روائي أو تشكيلي لا تتعدى إمكاناتهم كتابة قصيدة أو رواية أو رسم لوحة، لأن إدارة المشهد تتطلب إمكانات تتجاوز ذلك، ولأن أمثال هؤلاء قد يكونون سبباً في عدم تحقيق طموحنا الثقافي. لا يعني هذا بالطبع أن هناك عدداً من المبدعين يمتلكون موهبة إدارة المشهد الثقافي وقد ينجحون في ذلك، كل ما نحتاجه هو التنقيب عن هؤلاء بجدية، ولا نخضع ذلك للتزكيات الآتية من جهة المجاملات.• تشكُّل الشاعر اليوم هل بات مشكلة؟

•• مع كثرة المبدعين في مشهدنا الشعري السعودي بشكل خاص والعربي بشكل عام إلا أن أغلبهم يقع في مشكلة تكرار التجربة الشعرية واستنساخها؛ ما يوقعنا في إشكالية النمطية.

لكن أريد أن أشير إلى أن الابتكار والتمرد على الأب الشعري أمر ليس يسيراً، وولادة شاعر مغاير أمر لا يأتي إلا من إصرار وطموح ومعاناة؛ لأن المبدع يحتاج قبل كل شيء أن يمر بتحولات ثقافية وأن يتجاوز النمط الثقافي، ثم لا بد أن يكون جريئاً في اجتراح خطيئة التفكير خارج الجماعة، ما لم يستطع المبدع تحقيق ذلك لن يستطيع الانتقال إلى المهمة الأصعب وهي الابتكار والتمرد وتشكيل شخصيته الإبداعية الخاصة التي تمثل تجربته وشخصيته الخاصة.

• هل ما زلت ترى أنّ المسؤولين في وزارة الثقافة لا يعرفون مبدعينا؟

•• ما زلت أرى ضرورة أن يعمل المسؤول في هيئة الثقافة أو مؤسساتها المختلفة بطريقة المسؤول في هيئة الرياضة أو مؤسساتها المختلفة، المسؤول الرياضي أولاً يبحث عن المبدع في مجاله في الحارات والقرى والمدن ولا يكتفي بشيوخ الرياضة الذين يشعلون ويشغلون المدرجات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يعمل المسؤول الرياضي على صناعة النجم.

بلا شك هذا الاهتمام يغيب جملة وتفصيلاً في المجال الثقافي؛ لذلك غاب أو مات كثير من المبدعين الرائعين بسبب تجاهلهم أو عدم معرفتهم والاحتفاء بهم.

مشكلتنا في الوسط الثقافي تتمثل في تسليط الضوء على شيوخ الإبداع والثقافة وتكرار ظهورهم وعدم الرغبة في تقديم الآخرين.

في المملكة تجارب إبداعية ناضجة ومكتملة لم يتح لها فرصة الظهور لا في وسائل الإعلام والصحافة ولا في مناسباتنا ومؤتمراتنا الثقافية للأسف الشديد، المسؤول الثقافي ينتظر أن يحدث موقف لافت للمثقف أو أن يموت ليلتفت إليه، وهذا أمر يجب مراجعته والتفكير جدياً به.

• كتبتَ عن انتظار الأصدقاء نسخهم المهداة، هل أنت ضد أن يهدي المبدع عمله الكتابي؟

•• هناك سلوكيات وتقاليد خاطئة في مجتمعنا الثقافي، وهذه السلوكيات ساعد المبدع في انتشارها واستشرائها في هذا الوسط، لست ضد الإهداءات، لكنني ضد ألا تساعد مؤسساتنا الثقافية في نشر المنتج الإبداعي، وألا يبادر مثقفونا إلى شراء نسخة من منتج أصدقائهم في انتظار إهدائهم، بل يزداد الأمر سوءاً حينما يعتب بعضهم على المبدع لأنه لم يهده نسخة من عمله.

• هل أخذت حقك من المؤسسات الثقافية كشاعر ومبدع داخل وطنه أم أنّ أنصاف وأرباع الموهوبين من خارج المملكة أخذوا أكثر منك؟

•• تحدثت في بعض تغريداتي عن احتفاء بعض المؤسسات الثقافية بأرباع وأنصاف المبدعين من خارج المملكة لاعتبارات ومصالح خاصة، كما تحدثت عن تكرار استضافة بعض الأسماء للسبب نفسه، وتجاهل عدد من كبار المبدعين السعوديين v بل تجاوز ذلك إلى استضافة بعض من ينتمي لأحزاب وجماعات معادية للمملكة مع هشاشة تجاربهم الإبداعية وكأن المسؤول في المؤسسة الثقافية ليست لديه الدراية الكافية بموقف كل مبدع من وطننا ورموزه، شخصياً لدي منبري الخاص الذي وصلت من خلاله لجماهيري، ولا أطرح هذه القضايا لأن المؤسسة الثقافية نسيتني أو تناستني، لأنني ألتمس العذر للمسؤول هناك، وإن كنت أتمنى ان تتاح لي فرصة تمثيل وطني في منابرنا الإعلامية ومؤسساتنا الثقافية التي يغيّب عنها عدد من مثقفينا الكبار، وهذه القضية تستحق المناقشة في لقاءات خاصة تعتني بمستقبل مشهدنا الثقافي.

• هل لدينا نقاد أو حركة نقدية تؤمن بخدمتهما لساحتنا الثقافية؟

•• ليس لدينا نقاد أو حركة نقدية تواكب منتجنا الإبداعي والثقافي للأسف الشديد وإن كنت أرى أننا مررنا بمرحلة نقدية مهمة تمثلت في جيل أستاذنا الدكتور عبدالله الغذامي وزملائه وغابت أو تراجعت في الجيل الذي يليه، يؤكد نظرتي هذه وجود عدد كبير من الأسماء المتخصصة في الأدب والنقد إلى جانب حركة إنتاج شعري غزير ومع ذلك غياب الدراسات المرتبطة بهذا الإبداع أو على الأقل ندرتها، نحن بحاجة لإيجاد مراكز دراسات نقدية وإلى عودة الملاحق الثقافية في صحفنا ودورياتنا بذلك الوهج السابق.

أخيراً أريد الإشارة إلى أن الناقد الذي يستنسخ النظريات النقدية ويكرر مقولاتها دون أن يكون له فعل نقدي على أرض الواقع لا يمكن أن يضيف للمشهد النقدي شيئاً وهذا أحد عوامل تراجع الحركة النقدية في ما أظن.

• هل المثقف مستعبد ومستغفل كما تقول؟

•• لا أتذكر في أي سياق قلت ذلك، لكن على المثقف ذاته ألا يرى أنه لا يمكن أن يكون إلا من خلال العبور من بعض الشلليات أو الجماعات الثقافية، الانعتاق من الآخر مهمة المثقف ذاته؛ إذ يمكنه أن يعجب أو يتأثر بصاحب تجربة معينة، ولكن عليه أن يحذر من أن يذوب أو يتلاشى فيها، والأسوأ أن يخضع إلى درجة الاستغفال أو الاستعباد، وأعني بذلك أن أصبح مجرد بوق للتغني بمبدع ما أو الترويج له دون أن التفت لتجربتي الخاصة.

• هل لدينا بالفعل مبدعون يقتلون شتلة الإبداع خوفاً على المكانة والمكان؟

•• إن هذه الفكرة مما كتبته وكلي حسرة، لأن هناك بعض المجتمعات بمجرد اكتشافهم موهبة ما يعملون على إبرازهم وتقديمهم والإشادة بهم، وبذلك يساعدونهم على اختصار مشوارهم الإبداعي. نحن للأسف الشديد لا نعمل على اكتشاف مواهبنا، ولا نسعى لرفد تجاربهم وتقويتها والإشادة بها. بل بعضهم يعمل على تجاهلها، إن لم يكن تحطيمها، بل الأسوأ من ذلك أنّ هناك من يتنكر للتجارب الإبداعية في المملكة بشكل عام زاعما أنه لا توجد تجربة شعرية أو روائية حقيقية لدينا.

• هل ما زلت تنظر إلى المؤلف الذي يوقّع كتابه على أنّه «مصعّر خدّ»؟

•• سؤالك هذا يقع في دائرة تغريدة كتبتها بشكل ساخر عما يمكن تسميته «الغرور الثقافي»، فالمرجو من المثقف أن يكون متواضعاً ومتواصلاً مع عشاقه ومريديه ومعجبيه من غير تعالٍ أو تكبر. لقد لاحظت بعضهم وهم قلة بلا شك حين توقيع كتابه مصعراً خده ومنتفشاً وكأنه ينظر للمريد من برج عالٍ، هذا السلوك نجده لدى بعضهم في يومياتنا، وكأن من سمات المبدع أو المثقف أن يكلمك من طرف أنفه، أو يتخذ وضعية معينة في الحديث معك، أو يكون «ملك الجلسة» حين يكون بين مجموعة من المثقفين، هذا السلوك من الأوهام التي يعيشها بعض المثقفين حيث يظن بعضهم أنه وحيد زمانه. لقد انتهى عصر المثقف الأوحد وأصبحت الثقافة مشاعة وقد يتفوق عليك بعض مريديك ثقافياً وفكرياً؛ لذا علينا مراجعة حساباتنا في هذا السلوك.