د. محمد الحضرين
د. محمد الحضرين
-A +A
د. محمد الحضرين
إذا ما استظهرنا أن تويتر يمثل منبرا منفتحا على الجمهور، ومقيدا بحدود النص المكثف في لغته ومعناه فإن ذلك يحتم على المختصين مؤسسات وأفرادا استثماره استثمارا تعليميا يناسب طبيعته، ويحقق الغاية من الدرس اللغوي الذي قصر عن تحقيقها التعليم النظامي. ومن مسببات تسييره لتحقيق تلك الغايات الابتعاد عن النهج التعليمي التقليدي المألوف، وتجاوز تلك الأخطاء في الطرح والأداء إلى ما يحقق النفعية التي تستهوي المتلقي وتحرك فيه حب الاستزادة والمتابعة والاستطلاع كونها لامست حاجته من اللغة وقضاياها التي تعزز ملكته اللغوية. بيد أن طبيعة المحتوى الذي يطرحه المختصون في تويتر متباين بين من يكرر النهج التعليمي، ويستظهر مسائل تجاوزتها الملكة اللغوية، وتضاءل الاهتمام بها، ومن يحيي قضاياها النفعية والوظيفية محاولة منه لرأب الصدع، والضعف الذي استفحل في لغة المغردين.

وإذا ما تجاوزنا الادعاءات التي ترى في وسائل التواصل الاجتماعي أمورا سلبية على الناشئة فعلينا أن نفكر بصورة جادة، وملحة في استثمارها استثمارا تعليميا وتوجيهيا ناجحا، لاسيما أنها أضحت وسائل في متناول الجميع، وحتمية اجتماعية واقعة لا يمكن الفكاك أو التخلص منها.


يملك (تويتر) كوسيلة تواصل اجتماعية كل مقومات التعلم الناجح؛ فالحضور الدائم، والتفاعل، وحرية إبداء الرأي، وانفتاح المعرفة وتنوعها في المسألة الواحدة مزايا كفيلة بجعله منصة تعليمية وبيئة افتراضية فاعلة في التغيير، والإصلاح. كما أنه يعزز التوجه البنيوي في التعليم الذي ينقل المتعلم من طبيعة التعليم إلى طبيعة التعلم. وهو أمر تنزاح عنه حجب كثيرة كانت غطاء ساترا في كثير من الأحايين على التعليم النظامي. وتتعاظم أهمية (تويتر) من جذبه ملايين المستخدمين، وتظهر بعض مواقع الشبكة أن عدد مستخدميه قد بلغ في الوطن العربي حوالى (42 مليون مستخدم).

جعلت وسيلة التواصل الاجتماعي (تويتر) حضورا واسعا للنص المقنن المختزل، وأضحى أكثر هيمنته للقارئ العربي، وربما تجاوز هيمنته هيمنة الكتاب الورقي؛ وفتح للنص اللغوي بكل أنواعه جمهورا غفيرا متجاوزا رهان الزمان والمكان؛ إذ يمكن القول إن تقنية تويتر بحد ذاتها تحولت إلى ثقافة جماهيرية. تعزز التفاعل والتشارك والسجال العلمي الرصين، وقد تحققت فيها نظرية القراءة والتلقي أكثر من غيرها كونها تركز على القارئ المنتج استجابته بفعل ثقافته وقدرته على التأويلية بوصفه قارئا خاصا، أو نخبويا. أو غير ذلك من مستويات التلقي المفترضة في المتلقي. فهي تمارس سلطة التأثير والإبلاغ والإقناع التي يذكي روحها التفاعل بين الطرفين. وبلا شك فقد أسهم فيه الدرس اللغوي إسهاما في تشكيل الوعي باللغة. هذا الإسهام يصعب تقويمه إلا بنظرة علمية دقيقة تصنف طبيعة ما يطرح فيه، وتبين قيمته وجدواه.

وتكشف لنا الحسابات المهتمة بالدرس اللغوي في تويتر عن ثلاث غايات، هي: غاية تعليمية، وغاية حجاجية استشرافية معا، وغاية تكسبية بحتة. غير أنه من المؤسف أن المؤسسات الثقافية في الوطن العربي كله لم تقم بجهد مقبول في تأدية مهمتها الوظيفية تجاه لغتها الفصيحة، ولم تتخذ من سانحة تويتر فرصة لإظهار اللغة الفصيحة بوجهها الجمالي والنفعي، وإنما وقف ذلك الأمر على بعض أبنائها الحريصين والمهتمين بها.

وكان لبعض الشعراء رأي في إخفاق الجامعة العربية في تحقيق واجبها القومي تجاه اللغة، إذ يقول:

أنا يا صديقة متعب بعروبتي

فهل العروبة لعنة وعقاب ؟

أمشي على ورق الخريطة خائفا

فعلى الخريطة كلّنا أغراب

أتكّلم الفصحى أمام عشيرتي

وأعيد لكن ما هناك جواب

إن المؤسسات الرسمية التي من شأنها التخطيط اللغوي الذي يتبنى حتمية الانعتاق من الطرح النظري، وتأسيس منهجية علمية دقيقة يدفعني إلى قناعة بأن تلك المؤسسات لم تتعامل مع اللغة العربية كلغة هُوية ناطقة ولغة هوية كاتبة يدفعنا إلى تعلمها والمحافظة عليها دافع ديني، ودافع قومي، بل تتعامل معها على أنها شأن تعليمي بحت يقف عند حدود الحجرة الدراسية؛ ومظاهر هذه القناعة ما نلحظه في لغة القنوات الرسمية، ومنشوراتها، وإعلاناتها، فضلا عن تعويم وتغريب مسميات المحال التجارية التي تقرها الجهات الرسمية.

لا بد من تبني تلك الآراء القيمة التي تجعلنا نتحدث باللغة، وليس عن اللغة، وأن نستصلح منها ما يقارب الغاية والهدف، وأن نتمثل في طرحنا الحديث ما نتلمسه من مقولة تمام حسان: «إن على عالم اللغة أن يصف لا أن يقرض القواعد». وتنامت بين أوساط المغردين مظاهر لغوية كاستعمال ما يسمى باللغة (العربيزية)، وهي لغة هجينة خليط بين اللغات المختلفة ولدتها الشبكة العنكبوتية وهي كما يقول بعض الباحثين كانت «نتاج زواج عرفي بين اللغتين العربية والانجليزية يتحدث بها كثير من المغردين. واللغة الشعبية، وهي لغة القطر الضيق (العامية المعقدة) التي لا تفهم، وأسوأ ما فيها أنها تكتب كما تلفظ برسم إملائي مرتجل، وتحولت إلى سياق تواصلي بين أفراد القطر الواحد على الرغم من أن صاحبها يناقش بها قضية عامة يتداخل فيها عدد من أقطار مختلفة لا يفهمون ما تكتب، ولا يفهم ما يكتبون. ويظهر أن أنماط شركاء التفاعل ينساقون في مسارين، مسار نفعي، يتخذ من (تويتر) وسيلة نفعية، فيكون جادا في المتابعة، والمشاركة، ينظر إلى (تويتر) على أنه منبر تعليمي وتعلمي، يحقق وظيفة هادفة. ومسار غير نفعي، يتخذ من (تويتر) وسيلة هزلية، يبرز فيها الانحراف الأخلاقي، والتهكم والسخرية من كل ما هو جاد، ويسهم في إعادة التغريد لكل ما هو سلبي.

والعامل المؤثر في طبيعة التفاعل النشط في الاتجاه النفعي ما يمكن تسميته بـ«قراءة اللحظة» وهذه اللحظة هي لحظة فارقة في مسألة التلقي الإيجابي أو السلبي، ولماذا هي كذلك؟ لأن المتلقي يتلقى في ذات الصفحة، وفي ذات النظرة الواحدة غير تغريدة في موضع واحد. وهذه القراءة اللحظية تسالم المتلقي بإحدى اللحظات الآتية:

1. لحظة كمية. وهي ما تزرع من ذهن المتلقي كما معرفيا مختزلا في كلمات محددة يقرر على ضوء استمرار المتابعة من عدمه.

2. لحظة كيفية. وهي معزز معرفي للمتلقي الجاد؛ لأنه يرى فيها عمقا علميا معياريا بالبحث والمتابعة والتمثل لمحتواها.

3. لحظة ذوقية. وهي تلك التي تعزز في ذهن المتلقي تجليات الروح، والمفاهيم والإشارات، والإيماءات الحساسة؛ كونها راصدة لبوح شعري جميل، أو مقولة مقامية لصاحب الحال والواقع وينتفع منها، أو مقولة فلسفية تبني ذوقا حجاجيا يتماهى مع اللحظة الكمية والكيفية.

4. لحظة صورية: وهي لحظة يلتقط فيها الذهن والعين الباصرة علاقة سيميائية موحية، أو ملهمة تنفتح عليها كل الدلالات النفسية والاجتماعية والثقافية.