د. رائدة العامري
د. رائدة العامري




محمد سعيد الغامدي
محمد سعيد الغامدي
-A +A
د. رائدة العامري
إنَّ الكتابةَ في النَّقدِ الأَدبيِّ مَهمَّةٌ ليست سهلةً، وهي فعاليَّةٌ قهريةٌ إبداعيَّةٌ صعبةٌ للغايةِ، وضرورةٌ من ضروراتِ العملِ الأدبيِّ الذي لا يستقيمُ ولا يتطوَّرُ إلَّا بوجودِ النَّقدِ. وقد ينتقلُ من ميزةِ الذاتيةِ إلى ميزةِ الموضوعيةِ، أي من إصدارِ أحكامٍ مُعلَّلةٍ ليُعبِّرَ عن موقفٍ كليٍّ متكاملٍ في النظرةِ إلى الفنِّ عامةً، أو إلى الشعرِ خاصَّةً، مُدرجٌ على أنساقٍ لمقارباتٍ نقديةٍ في أطيافِ النصِّ الإبداعي، كي يتخذَ نهجاً واضحاً مؤصَّلاً بقوةِ المَلكةِ بعد قوةِ التمييزِ.

وهذا ما يتجلَّى واضحاً في فكرِ (الدكتور محمد سعيد ربيع الغامدي)، وآرائهِ النقديةِ المُسايرةِ للأعمالِ الأدبيةِ، التي تشيرُ إلى اتجاهِ النقدِ في التطورِ، والنُّموِ وصولاً إلى الأعمالِ، والطروحاتِ التي نهضتْ بالتجربةِ النقديةِ من مناهجَ نقديةٍ سياقيةٍ تاريخيةٍ نفسيةٍ إلى مناهجَ نقديةٍ نَسقِيةٍ (البنيوية، الأسلوبية، السيميائية)، ليُثبتوا آرائَهم النقديةَ في الساحةِ النقديةِ العربيةِ عن جدارةٍ، ووعي يحملُ رؤىً نقديةً إبداعيةً.


وفي متابعتِنا لمحاضراتِ، وندواتِ الدكتور محمد سعيد الغامدي، وكنتُ حاضرةً باستمرارٍ ومستمعةً، ومن هذه المحاضراتِ التي تصبُّ في موضوعِ الورقةِ البحثيةِ هي:

- التفكيرُ العلميُّ ومناهجُ البحثِ

- البحثُ العلميُّ: إجراءاتٌ ومبادئُ

- والقطيعةُ المعرفيةُ ومنهجٌ علميُّ متجدِّدٌ

- والمعرفةُ والايديولوجيا: العلاقاتُ المُلتَبَسة

- والمتنُ والهامشُ.. إلخ من المحاضراتِ والورشاتِ التي تشيرُ إلى أطيافَ نقديَّةٍ للمنهجِ.

في الحقيقةِ له رؤية إنَّ الناقدَ له منهجٌ يظهرُ جليَّاً في إبداعاتِه، وهو ما نلمسُهُ عن طريقِ منجزِهِ الإبداعيِّ، فمن المقارباتِ النقديةِ أنه لا يمكنُ اتِّباعُ المنهجِ كإجراءٍ دون النظرةِ الشاملةِ للإبداعِ الأدبيِّ، فتطبيعُ المنهجِ النقديِّ يخضعُ إلى خصوصيةِ النصِّ الأدبيِّ ذاتِه، إذ غالباً ما تدلُّ تلك الخصوصيةُ على المنهجِ المُلائمِ لدراسةِ، واستنباطِ كيانِه، فالمنهجُ وسيلةٌ للمعرفةِ، ويتمثل في ثلاثةِ محاورَ:

- الطريقَ الواضحُ

- السلوكُ البيِّنُ

- والسبيل المستقيم.

والذي يضيفُ أيضاً عنصراً جديداً في ماهيَّةِ المنهجِ، وهو إشكاليَّة ارتباطِ المنهجِ بالنظريةِ، إذ يكونُ من الأَهميَّةِ التركيزُ على زاويةِ نظرٍ أَساسيَّةٍ، إذ يُعدُّ خطوةً أَولى، ورئيسةً في قضيَّةِ المنهجِ نجدُها ضروريَّةً في فهمِ المنهجِ ورؤيتِه معًا، وهي التركيزُ على فهمِ قواعدِه، ومقولاتِه الأَساسيَّةِ بعد الإدراكِ بأَهمِّ مُعطياتِه النظريَّةِ، والفلسفيَّةِ العامةِ، والشاملةِ للرؤيةِ الأَساسيَّةِ التي انبثقَ منها.

وذلك إنَّ الاهتمامَ بمسألةِ المنهجِ في مجالِ النَّقدِ الأَدبيِّ يظهرُ على هيئةِ سلسلةِ اهتماماتٍ منهجيَّةٍ متتابعةٍ، ومُتشعبَةٍ، إذ تتجاوزُ حاجةَ النَّاقدِ إلى منهجٍ لتحليلِ النصوصِ الإبداعيَّة، فالنصُّ النَّقديُّ بحاجةٍ دائمةٍ إلى نقدٍ آخرَ يتفحَّصُ خباياه، ويقرأُ سطورَه، وما بينَها، فيُحقِّقُ في نتائجهِ وتحليلاتِه، وعليه يكونُ درسًا تصحيحيًّا تقويميًّا توضيحيًّا بنظرياتِهِ، وتطبيقاته، إذ أنَّ مُمارسةَ أطيافِ النقدِ في النَّصِّ الإبداعيٌِ التي تسيرُ وفقَ هدفٍ مُحدَّدٍ تعملُ على إزالةِ الغموضِ عن المناهجِ النقديَّة، وتُوضِّحُ الرُّؤى التي تصبُّ فيها، وتتجهُ نحوَها، فتكونُ بذلك إجراءاتُ النقدِ: التحليلُ، والفحصٍ، والتمحيصُ.

إنَّ رؤيةَ القيمةِ في المشهدِ اللغويِّ، وما يحمله من أساطيرَ، وخرافةٍ قد تكونُ متداولةً بين أصحابِ الاختصاصِ، والباحثين قد تخرجُ من السِّياقِ كقطيعةٍ معرفيةٍ، فالالتباسُ الأيديولوجي للمنهجِ مقابلٌ للمعرفةِ تقابلاً ضدِّياً مستمداً من الروافدِ الفكريةِ الثقافيةِ النقديةِ، التي تُعدُّ ثروةً فكريةً في النقدِ الأدبيِّ، وتُمثِّلُ انزلاقَ الأفكارِ، والرُّؤى إلى الأيديولوجيةِ المُهينةِ بعيداً عن المعرفةِ كالهويةِ وغيرها، ويُقابلها المعرفةُ والإدراكُ.

من هنا تتضحُ حاجةُ الحركةِ النقديَّةِ إلى التعاملِ بوضوحٍ، ودقةٍ مع مفهومِ المنهجِ، وتُحرِّره من الاشتباكِ مع مجموعةٍ كبيرةٍ من المُصطلحاتِ المُجاورةِ، والمُقاربةِ، والمدرسةِ، والاتجاهِ وما إلى ذلك، مثلما تتضحُ الحاجةُ إلى عدمِ تحويلِ المنهجِ إلى علمٍ، أو فلسفةٍ، أو أيديولوجيا ؛ لأَنَّ المنهجَ أَداةٌ للكشفِ، والتحقيقِ على الرغمِ من اتكائِه على العلمِ، أَو الفلسفةِ، أَو الأيديولوجيا، إلَّا أنَّه يجبُ أَن يظلَّ مُحافظًا على جوهرهِ الأَصلي، وأن لا يتحوَّلَ إلى واحدٍ من هذه الأَشياءِ ؛ لأَنَّ ذلك يؤدي إلى طمسِ حدودِ المنهجِ، وتطبيقه بطريقةٍ آليَّةٍ، ومُبتذلةٍ بحيث تُمثِّلُ استجابةً علميَّةً منهجيَّةً لما يقترحُه الحقلُ المعرفيُّ، وهو يختلفُ اختلافًا كبيرًا عن (المنهجِ العلمي) في أنَّه يُمثلُ نوعًا من الخيارِ الشخصيِّ الذي يفصحُ عن درجةٍ من درجاتِ الانحيازِ الإيديولوجي، بينما يكونُ هدفُ (المنهج العِلمي) تحقيقَ أَكبر قدرٍ من الموضوعيَّةِ بعيدًا عن أَيِّ انحيازٍ إيديولوجي، أَو نزعاتٍ ذاتيَّةٍ، إِذ من حقِّ الباحثِ الأَخذُ بالمدخلِ الاجتماعي كوسيلةٍ لدراسةِ الأَدب، وهو بذلك يُعبِّرُ عن رؤيةٍ فكريَّةُ وإيديولوجيَّةٍ معينةٍ.

ففي بعضِ محطاتِ الغيابِ لهذا الوعي النقديِّ القائمِ على إِدراكِ الفوارقِ بين الأَوضاعِ، يَفقِدُ هذا الانفتاحُ على المناهجِ النقديَّة مشروعيتَه المعرفيَّةِ كظاهرةٍ صحيَّةٍ فاعلةٍ في تطويرِ المعارف، وتبادِلها بين الشعوبِ والحضارات، إذ مهما يُقال عن علميَّةِ بعض هذه المناهجِ، وعدم اتِّسامِها بطابعٍ حضاريٍّ خاصٍّ، فإنَّها تُخفي أَبعادًا أيديولوجيَّةً لا يُمكنُ إنكارها، كما يُفترض أَن تكونَ العلاقةُ بين الأَدواتِ الإجرائيَّةِ، والأَسسِ النظريَّةِ للمنهجِ علاقةً ذات اتجاهٍ أُحادي؛ لأَنَّ الأسسَ النظريَّةَ هي التي تحكمُ، وتُنتجُ الأَدواتِ الإجرائيَّةِ، إلا أَنَّ هذه العلاقةَ ليست وحيدةَ الاتجاهِ إلَّا في الظاهرِ، فثمَّةَ جدلٌ، وصراعٌ بين الأَدواتِ، والأَسسِ النظريَّةِ بحيث قد تأبى الأَداةُ مطاوعةَ الأُسسِ، وقد لا تصلحُ للتطبيقِ، أَو قد يُثبِتُ تطبيقَها خللًا في الأَسسِ النظريَّةِ.

وأنَّ الحركةَ النقديةَ هي مجموعةُ الأعمالِ والمؤلفاتِ، والدراساتِ في أيِّ عملٍ أدبيٍّ سواءً شعراً كان أو نثراً، فالناقدُ يُعتبرُ خبيراً يستعملُ قدرةً خاصةً، ورؤيةً في ذلك، فهو يتناولُ الشعرَ، والدراما، والرواية، أي أنَّ النقدَ الأدبيَّ ليس مقصوراً فقط على الإبداعِ، بل يتعدَّاه إلى التجربةِ النقديةِ، فلا يمكن لأحدٍ أن يأتيَ بقراءةٍ لنصٍّ دون أن يمتلكَ التجربةَ الكافيةَ لتجعلَ منه الحَكمَ ليناسبَ مكانتَه، فالتجربةُ النقديةُ هي مجموعُ الممارساتِ مقرونةٌ بالأدبِ والنتاجِ الخاصةِ به.