-A +A
ماهر راعي
الحياة تسكن الشارع الذي يمرّ قرب بيتي..

مراهقون بقمصان متشابهة..


مراهقات على أظافرهنّ طلاء يموء بحرقة..

الحياة تمرّ في الشّارع الّذي يسكن قرب منزلي:

القطط تنعص في كلّ الشّهور

وتغادر الحاويات إلى عتمات قريبة

هناك حيث التّربص مجرّد خدعة مكشوفة للجميع.

تعود بأذيال معضوضة، تعود بريش يشبه ريش الملائكة كما الّذي يرسمه الصّغار للمستطيلات الواقفة، ثم يكتبون تحتها: هذا بابا... هذه ماما.

الحياة تسقط على الشّرفات مقابل بيتي:

الجار الذي يجمع الغسيل تحت مطر مباغت

يعود ليرميه على مفرش السّرير الملطّخ بورود ضخمة ومملة.

الجارة الّتي حلمت بأشجار ماكرة تسحبها في العتمة

لتصير غابة زجّاج مكسّر رمتْ عقبَ سيجارتها السّابعة، أشعلت الثّامنة، كسرت دونما قصد التّاسعة، تظنّ أنّ ما من حلّ متاح سوى إحصاء ما بقي من لفافات تبغ جديدة في هذا العالم القادم، في هذا العالم الذي لا ينتهي.

عادة ما ينتابني حسد أبيض، إذ كيف خطر في بال «تشارلز سيميك» أن يقرر بكل جرأة وتفاؤل عنواناً لكتابه: «العالم لا ينتهي»؟

هل كان ذلك منسوباً فائضاً من التفاؤل؟!

أم ربما كان حزناً تملّكه لحظة الزوال، لحظة ينسل خيط الحياة!!

(كان يجب أن أضع إشارة قرب اسم سيميك وكتابه، وفي الهامش أكتب جملة

من المعلومات التي لا يصح أن تكون في متن القصيدة ولا حتى في متن الشعر،

من بينها أن المترجم (أحمد م أحمد) رجل يراقب من شرفته الآن البحر في طرطوس

..ثم أكتب هامشاً تعريفياً يخص طرطوس يخدعني فيه الكيبورد، فتنقلب جملة «مدينة سورية قرب البحر» إلى «مدينة سورية تشرب البحر»).

الحياة تمرّ.. تسكن الشّارع الّذي يطلّ عليه بيتي:

رجلان يقتربان من الحاوية بخطوات دقيقة وهادئة.. تحسبها رقصة مشتركة!

وجهاً لوجه، خطوة بخطوة.

الأمر دقيق للغاية، كأنّ مخرجاً متمرساً قد نفّذ المشهد:

سيصلان معاً في نفس الّلحظة، يرمي كلّ منهما كيسه الأسود، يقول للآخر: صباح الخير

ثمّ يمضيان مع تناقص مخيف وتدريجيّ لتلك الابتسامة المتسخّة، تلك الّتي ظننتها أنت حقيقيّة!

الحياة تمرّ قرب بيتي:

ستّينيّ يحمل خبز اليوم على راحتيه، يمضغ لقمة ضخمة

يلقي التّحية على البقال بصوت قائد منتصر، يرد البقال بصوت قائد منتصر.

هو ذاته من قضى مراهقته وشبابه يبشّر الأجيال بعبارة «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان».

مراهقون بعظام متشابهة ناتئة وحادة.. تجرح، لا يكفّون عن التّعرق بغزارة، يسندون رائحة الجدران، يخرجون من اللوحات الطّرقية، يدخلون كتباً ستمزّق لاحقاً

يصيرون شباباً

ثم كهولاً

ثم عجزة

ثم موتى

موتى بسهولة تامة، بسهولة تامة كما يعبر السحاب بثقة ووقاحة.

ثم ينامون بعد الموت.

وحين يستيقظون يتحسسون مكان قضبانهم الحلوة، تلك التي تشبه مسدّس الأخ الأكبر (الّذي نسيته الحرب في مكان غامض)، بينما الأم تنتظر منذ سنين قرب أغنية هابطة، تنتظر وتصير أقصى أمنياتها أن يأتوا لها بجثّة ولدها من المعركة القريبة..

ضحكتْ..

قهقهتْ..

انقلبتْ على ظهرها..

ابتسمتْ، ادمعت عيناها: من وضع السّم في كأس هذا العالم الذي لا ينتهي ووقف يتفرّج؟!!