-A +A
سمر دياب - لبنان
وقعت في غرام مفردة «الهاوية» منذ أن سمعتها أول مرة، دخلت أذني كما تدخل امرأة حافية غابة مهجورة. وكنت كلّما وجدت قاموساً، أهرع إلى البحث عن معنى آخر لها يتجاوز سحر معناها الأصلي. «حفرة عميقة» هكذا كانت تقول القواميس عنها ثم تصمت. كان صمت هذه الأخيرة يشبه مقصّاً، بل يشبه جريمة.. بل يشبه جريمة ارتكبها أحدهم بمقص. هي حفرة عميقة ولكن القبر حفرة عميقة أيضاً، كذلك بيوت النمل، والعين، وأشياء كثيرة. لكن الهاوية شيء آخر، إنها حفرة داخل حفرة داخل حفرة، ولو وضعت أذنك عليها ستسمع صوت موسيقى، وقد تقضي حياتك مثلي، تبحث عن تعريف فيه كلمة «عازف» أو «عزف» أو «معزوفة»، وحين لا تجد شيئاً من هذا في أي قاموس أو لغة، تغضب، وتكتب شعراً.

***


في الطريق إلى الحقائق تعثرت بحجر ووقعت على وجهي. سمعت حينها أصواتاً تغمغم تحت أذني. نبشت الأرض قليلاً فرأيت أناسا يبتسمون ويقولون شعراً والدودة نجمة هناك.

وكان هناك ماء ونار وغيوم وقطط.

أعدت التراب إلى مكانه ونفضت جلدي وعدت من حيث أتيت.. مالي أنا والحقائق؟ أنا لا أملك سوى قلبي.

***

كلما أغمضت عيني

تهجم عليّ غابة من الأشجار

أفتحهما تختفي

حبيبي يظنني نائمة

وأنا أتجول في الغابة

***

عن الطائر الذي اصطاده الفتية وكسروا عنقه

انظر إليها

ريشتك السوداء التي أحبتها زوجتك، إنها الريشة الوحيدة التي لم يستطيعوا اقتلاعها

حتى حين فقدوا الأمل والرغبة فيك

ورموك في العراء

وهبّت عاصفة

غطّى التراب كل شيء إلا ريشتك السوداء.. التي أحبتها زوجتك

***

انظروا إليها

زوجة الطائر التي أحبت ريشته السوداء

اصطادها الفتية وكسروا عنقها

ريشتها البيضاء التي أحبّها زوجها

الريشة الوحيدة التي لم يستطيعوا اقتلاعها

موسيقى

موسيقى

***

لا أحد في البذرة

لا أحد في الليل

- هناك قمر يفضح شفقة العتمة على الفرائس ويسطع فوق متاهة -

إلى أين تذهبين بعينك الضخمة تلك؟

لا أحد في الرؤيا

لا أحد في البيت

لكننا سنصنع مخلباً من كلّ هذا الألم

ونذهب إلى الصخرة لنخدشها

لا لشيء

بل ليبقى أثر قصائدنا هذا المكان

حيث شجر القسوة يعلو

كلّما أغمضنا أعيننا

لكننا سنهشّم الذكريات بمطرقة

تلمع

ونسمّي العظام شعراً

ونسمّي الفرس السوداء حبّاً

وحين يصحبنا الموت إلى غابته

سنغلق باب الأرض بمفتاح بيتنا

***

لذّات ثقيلة تتسوّل الليلَ

النجمة تسطع كالوخز

والعطاشى في كلّ مكان يُفسدون صورة الله والبحر

بينما يغرق الشاعر في رماد حديقته وحيداً

***

يا وردة كأنها أمّ الدّم

هذا الرخام المفتّت تحت شوكتك

كان اسمه روحاً

وكانت السفن تنزلق على سطحه

نحو بحار تولد في الفجر

وتحملها العاقرات على ظهورهنّ

إلى الشعر والثكالى

أيتها الوردة الحمراء

كأنك أمّ الدمّ

لا تقولي شيئاً

لا تبكي

لا تقاومي

احملي شوكتك واهربي

***

أحببت رجلاً بعيون عسلية

حينها أتت إلي كل النحلات الوحيدات وقرصنني

تورّم قلبي وذاب ثم انفجر

ثم أحببت رجلاً بعيون خضراء

فصرخت أني شاعرة خضراء

ونافست لوركا على الموت برصاصة خضراء

لكن قلبي، وسط الأعشاب، أيضاً انفجر

ثم أحببت رجلاً بعيون سوداء

أحببته كثيراً

وصرت إن قشرت تفاحة يخرج الليل منها ضخماً وسعيداً

وصرت جندية العتمة

لكن قلبي، وسط النجوم، أيضاً انفجر.

ماذا إذن أفعل بقلب تفجره القزحيات؟..

أكتب قصائد ملونة

***

حتى هذا الفم الذي هزمته قبلة

يحدّث المدينة عن لا جدوى من التوابيت

لا جدوى من التوابيت

الموتى كمناطيد الحبّ يرتفعون

وإن أثقلت خاصرتهم ببوابة المقبرة..

لا تقطع الأشجار هكذا كالمجانين

دع الخشب للنوافذ والسفن وأبواب الرغبات

لاجدوى من التوابيت

وإن علّقتَ في أرجلهم مجرّة من المسامير

سيطيرون

.. وستنفجر أيها العالم الحديدي من الغيظ والغيرة

***

تعال لا تخف

أنا آخر المتوحشات الطيبات

وهناك في منتصف قلبي

شجرة كرز