علي الدميني
علي الدميني




الدميني يوقّع بالموافقة على العملية الجراحية.
الدميني يوقّع بالموافقة على العملية الجراحية.
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
مُبكّراً شقّ الصبيُّ، غُلالته، واشرأبت يداه، ليتولّع بعيون التفاصيل، وعشق الحياة، كأنما هو ملاك يتقصّى أنين الطفولة في واجهات البيوت، وخلف الصُّور، يجمع بقلبه رتل أحزان الأصدقاء، ويضمّد جراح الرعيان بثوب القصيدة، كلما ابتعدت نوق المدينة عن شياهه. وحين أذكت (رياح المواقع) أشجانه، ويممت أناشيد لوعته نحو باب العظيمة، أينع في سُدةٍ جسدُ البرتقال، واستفاقت زهور على طرف المائدة، واللهفة تلملم من الشبابيك رفرفة أحلام، في سلال الوقت.

صادم خبر توعّك شاعر، خوفاً على اعتلال الفن، واختلال النغم، وبدخول الشاعر علي الدميني المستشفى التخصصي، واجراء عملية جراحية، انكشف رصيد الحب الذي بذره (أبو عادل) في أفئدة بادلته النقاء، ولهجت ألسنة بالدعاء، كيف لا وبياض الأزمنة لا يزال مؤذناً بمزيد الجمال، وتفاعل مع الخبر المؤلم عشرات المثقفين السعوديين والخليجيين والعرب والغربيين ليبعثوا عبر «عكاظ» لمن هيّأ القلب مملكة يستريح بها المتعبون.


ويذهب الناقد أحمد بوقري إلى أن علي الدميني من ركائز الحداثة الشعرية والإبداعية، ومحركيها، بالرغم من الانتكاسات التي شهدها مشهدنا الإبداعي بسبب الرياح الجاهلة للمتشددين والظلامين في الثمانينات وبداية التسعينات. وأضاف «ما زلنا نراه نصلاً شامخاً شاهقاً في القيمة الإبداعية والوعي التنويري، والبعد الوطني».

ولفت بوقري إلى أنه مع (علي) وبرفقة أصدقائه ومحبيه من الكوكبة الأدبية الحداثية تجاوزنا هذه المحنة في صراعٍ دؤوب وإنساني من أجل تثبيت كل معاني التجديد والتحديث والحوار والإبداع في ارتباطٍ جوهري بوشائجها الحلمية بتغيير الواقع.

ويرى أن ديوانه الأول (رياح المواقع) الاستثنائي يكتسب أهميته الفريدة في تجربة علي الدميني كلها كونه جذّر المفهوم الحقيقي لمعنى الحداثة الشعرية في أبعادها الأسطورية والأيديولوجية والحضارية والحلمية، وخصوصياتها المكانية، كامتداد أصيل لبادئتها الرائدة التي تحققت على يد شاعرنا الكبير محمد العلي، بل أرى فيها امتداداً محلياً ومغايراً للحركة ذاتها التي انطلقت في العراق وسورية ومصر ولبنان، فلم تكن حداثتنا الأدبية في انفصالٍ عما كان يجري عربياً حتى وإن جاءت متأخرة بضعة عقود، لكنها اكتسبت خصوصيتها وأسطوريتها ومنابعها المحلية ونكهتها المائزة، واستمراريتها في بيئتها المتشددة الضروس.

وأجدني أميلُ كثيراً إلى ديوان علي الأول هذا لما يكتنزه من ملحمية ورموز اسطورية وشعبية ونفس لغوي حارق عالي الوتيرة ينتمي ويتقاطع مع التجربة الشعرية العربية القديمة برمتها تفعيلياً وكلاسيكياً امتحّها من رؤيته الحداثية الخاصة ومن قدرته العالية (النقد-شعرية) في امتصاص واستيعاب تجربة الحداثة الشعرية العربية المعاصرة كلها التي تخلّقت وأنجزت في تجارب الرعيل الحداثي الأول: السياب وادونيس وسعدي يوسف ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي مروراً بأحمد عبدالمعطي حجازي وأمل دنقل وصلاح عبدالصبور وصولاً الى تجربة محمود درويش في أوج فنيتها وخروجها من حصار الهاجس السياسي المباشر مع القضية وهمومها الإنسانية اليومية، بل انني أجد كل دواوينه اللاحقة وربما في شيء من المبالغة والحب معاً ليست الاّ تنويعات تجريبية على هذا الديوان الماستر نتلمس فيها نفس الدفق الشعري والقلق المعرفي وقد اختفت عنها تلك الإنشادية القلقة وملحمية اللغة المؤسطرة التي كتب بها شاعرنا ديوانه الأول وتميزت بها قصائده الأولى كما نجده في قصيدة (الخبت) الشهيرة.

ويؤكد الزميل الشاعر هاشم الجحدلي أن (أبو عادل) ليس مبدعًا كبيرًا فحسب ولكنه أيضا صديق عظيم وراع نبيه للمواهب ومن يستعيد تجربة صداقته مع الراحل المشري في حياته ثم رعايته الصادقة والوفية لأعماله بعد رحيله يدرك تماما من هو الدميني علي. وأضاف «ندعو الله أن يعود لعائلته ولنا وللمشهد الثقافي وهو في أتم صحته ليكمل مشروع الإبداع والصداقة والحب للحياة».

وتذهب الشاعرة السورية غالية خوجة، إلى أن علي الدميني كأنه صعد بنا عبر النص الروائي (الغيمة الرصاصية) عموديا.. من خلال تكويناته التي أعادت توزيع الملفوظ ودلالاته وممارسة الهدم والبناء، وإضافة الحلم وتشخيص النص واللغة. وأضافت «يغامر الشاعر علي الدميني في نصه الروائي، فيجعل سلطة النص تقبض على عالمها وعلى مبدعها وعلى قارئها. واللافت في هذه التجربة، هو ذاك الفضاء الحلمي لذي ظهر كوحدة دلالية تحت لغة الرواية، الفضاء المشخص بشكل إشاراتي، كونه الشخصية الوحيدة المتحررة من النص والمتحركة ضمن احتمالاتها المتفردة التي أخذت في ما بعد شخوصا مختلفة أهمها النص كشخصية عائمة. يمارس سطوته على أسطورته الخاصة التي امتازت بطاقة ابداعية تضيف لثقافتنا العربية منعطفاً روائياً باهياً استند على شعرية السرد: مشهدياً، جُملياً، حسياً، إزاحياً.. وكل ذلك ضمن تركيبية متماوجة جذرها الذاكرة العربية المكونة انتماء بيئيا انطلق منه الدميني، وهدمه الى الذاكرة الذاتية وبناه على الذاكرة النصية فكان الجذر الآخر للذات الكاتبة-المكتوبة-الجذر الذي يتخذ تعرجات مجاله واتصاله وانساقه وفقا لزاوية الرؤية المنحرفة والمحزونة في القارئ نفسه الذي سيكتشف أن هناك صيغة متداخلة بين ثلاثة نصوص روائية شكلت أخيرا الرواية الحاملة للعنوان (الغيمة الرصاصية)».

وعد الناقد الدكتور الرشيد بوشعير من أبرز التجارب الروائية الخليجية تجربة علي الدميني في روايته الموسومة «الغيمة الرصاصية»، وهي رواية لا تقدم حدثاً واحداً أو قصة ذات بناء مغلق، وإنما تقدم لنا أحداثا متداخلة أو متوازية تتواصل في ما بينها حينا وتنفصل عن بعضها من حيث البناء والزمن والسرد والشخوص حيناً آخر، مشيراً إلى أن أوّل هذه الأحداث التي يجد لها علي الدميني بهذه الرواية أطراف من سيرة (سهل الجبلي) الموظف في بنك الدمام، وحكاياته مع شخوص رواية كان يحاول صياغتها بمشقة كبيرة. فنحن إذن أمام قصة داخل قصة متناسلة تفرز عدداً من الأحداث، ويحاول الكاتب من خلال هذه البنية أن يعالج قضايا واقعية، ولكنه يتخذ من هاجس الكتابة الروائية موضوعاً للتأمل.