-A +A
د. أميرة محارب العتيبي
لا يخفى على المتلقي الثقافي ما تقدمه الأندية المحلية وواقع البحث العلمي في الجامعات السعودية من خدمات بحثية وإعلامية وثقافية سعت لتأطير الهوية الثقافية بالقدرة والتأصيل والتحليق، إلا أن غالبية ما يقدم من أوراق علمية أو رسائل جامعية لا يليق بمستوى قوة الشأن السعودي الثقافي بشكلٍ عام، فهناك للأسف عناوين لافتة ومبهرة نجد أن مضامينها لا تنتمي لها موضوعًا فكل في وادٍ، بل الأعجب أن المضمون يأتي جامعًا من كل بحر قطرة على جميع أصعدة البحث العلمي بعناوينه المختلفة، كما نجد أشكالًا من التطبيق لا تراعي إجرائيات المنهج أو النظرية المتبعة، أو قد تسبغ صفحات التنظير على حساب التطبيق والتطبيق الجاد. أو نجد العنوان مصطلحًا بحسب آلية منهج محدد ونتفاجأ بسرد تاريخي أو ثقافي أو فني لا يمت لآلية العنوان بصلة، أو ما يشيع حاليًا من تحوير للاقتباسات داخل المضامين دون تنصيصات حقوقية وفي ذلك حديث يطول، والكثير من الممارسات العشوائية والسطحية التي تعيب مشهدنا البحثي المحلي.

هذا التسطيح جرت عاداته على واقعية الرسائل الجامعية من تبنّيها لمناهج نقدية حديثة وادعائها بالتجديد، وخاصة ما طال المنهج السيميائي من مغالطات تطبيقية بعيدة كل البعد عن فهم روح المنهج وتشرّب نظرياته وأساليب منظّريه، وما يثير الدهشة التسارع إلى تبني المنهج السيميائي وكأنه خاتمة المفازة العلمية، وسلم الشهرة السريع والنافذ. وفي الحقيقة يقع الباحث في دهاليزه الكثيرة، ويخرج بدراسة فنيّة أو حتى وصفيّة مع إسقاطات لمصطلحات سيميائيّة لا تتفق مع السياق ومسار النَّصوص، ويعتقد بأهمية ما فعل سيميائيًا وهو بعيد كل البعد عن حقل السيميائيّة وبرامجها وسيرورات مؤولاتها. والمخجل في هذا الأمر عدم تقبلهم للنَّقد الجاد، وللرأي الآخر وامتثالهم للتطبيل المزيف والتمجيد الهائل وسلسلة المجاملات التي أسهمت في إضعاف البحث النَّقدي المحلي وحضوره حتّى عربيًا.


هذا الهدر الهائل يصدّر لنا ألقاب الدال مشوشة ومهزوزة علميًا ومتشدقة بزهوة كاذبة، وأبحاث ترقية تكشف المجلات المحكمة عن فرط هزالها وعبثية تكوينها العلمي. ضعف تكوين الأستاذ الجامعي مصيبة كبرى، اقتصاره على الجوانب الفنية والموضوعية في أبحاثه تجعله في طابور التقليدية وإن تلبس قناع التجديد وتشدّق بالمعلومات المنقولة في حسابه بتويتر، الشمس لا تحجب بغربال، فلنتذّكر ذلك دومًا..!

والمخجل المحزن أن يأتي منهم من يبخس حق أصحاب الأبحاث الجادة بمحاولة تحجيم حضورهم، وإخفات صوت قيّمتهم العلميّة على حساب ظهور هذا الفئة العبثيّة بتبنيهم إعلاميًا، ودعوتهم إلى المؤتمرات والثناء عليهم مطولًا بما يملكون من شلليّة إعلامية لا تدرك أهمية الحفاظ على الصورة السعودية النقدية القوية، ولا تحمل في قلبها شغف التميز والوصول للعالمية، أو الدعوة إلى صنع منصة بحثية نقدية سعودية تستفيد من النظريات وتصنع من خصوصيتنا الأدبية مسارات متطورة وخلّاقة وشجاعة، واقتحام مجالات الترجمة بما يخدم المنظومة النقدية المحلية في تأصيلها وتطورها المعرفي. والدعوة إلى التطبيق الحقيقي للنظريات والبرامج النقدية. وذلك يتم أولًا: بتأهيل أعضاء هيئة التدريس المشرفين على الرسائل العلمية بالتدريب على التطبيق الجاد، والبعد عن مجاهيل النظريات التي لا يفقهون فيه شيئًا، فالتجريب الجاد شيء وترك الطالب الباحث بمفرده يقتحم صعوبات الترجمة والتطبيق الصحيح شيء آخر مؤسف. مما ينتج جهلًا مركبًا، وهكذا دواليك سلسلة مكرورة من الضعف الممنهج سواء على مستوى الأساتذة أو الطلاب الباحثين.

ثانيًا: التشديد على لجان البحوث العلمية بقبول البحوث الجادة والمميزة علميًا ومن ثم مراجعة اختياراتهم من جهات عليا، وقبلها اختيار أعضاء اللجنة من خيرة الجادين وليس المشهورين في منصات التواصل الاجتماعي والمؤتمرات فقد بلغ السيل الزبى ومللنا من «عكوز بكوز في كل مكان مركوز».

أما ثالثًا: وقد تطول القائمة -باقتراحات قارئ نشط- باستحداث دورات تدريبية من قامات علمية معروفة للتدريب الجاد والمستمر لتطوير الأعضاء والطلاب والباحثين والجمهور وهذا ما فعلته جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن باستضافة عدد من النّقاد المعروفين والاستفادة من تجاربهم التطبيقية. وهي خطوة قيّمة ومطلوبة.

وفي سبيل الحل والنهوض ليس هناك أي خجل من الاعتراف بالقصور والحاجة، الاعتراف يأتي من دواخلنا ثم تأتي الإرادة والقراءة المكثفة والسؤال الجاد ثم التطبيق والتطبيق المستمر.