عبدالمحسن يوسف
عبدالمحسن يوسف




غلاف الرواية
غلاف الرواية




 غلاف قلب الظلام
غلاف قلب الظلام
-A +A
عبدالمحسن يوسف
«أرجوحة النفس» للروائية هيرتا موللر، الحاصلة على جائزة نوبل، رواية فخمة وضخمة، تتناول عذابات الإنسان في معسكرات الاعتقال النازية، وهي ـ رغم كونها سرداً جميلاً- تكنز ومضات شعرية مدهشة، هنا محاولة للقبض على الجمر الشعري النفيس..

1


الخريف ينهي مهمة الحديقة.

2

وسط الحديقة بقيت جالساً لفترة وجيزة

أنظر إلى الضوء،

وأرقب خوف الظلال.

3

قبّةُ معطفهِ شاةٌ حول رقبته،

هذه الشاة في العنق

هي الصمت.

4

العالمُ ليس حفلةً تنكرية.

5

تجهيز الحقائب للسفر مسألةُ تدريب،

يتعلمها المرءُ من نفسه

كالغناءِ والصلاة.

6

خلال نزهة قمنا بها على المرج،

تركَتْ أمي نفسَها تسقط

بين الأعشاب الطويلة كالميتة.

يا لهول المصيبة!

لقد سقطتِ السماءُ في العشب.

7

بدت خلفية رأس المرأة بجديلتها السميكة

وأذني المشط مثل قطةٍ جالسة.

8

كانت رائحة ترودي بيليكان كلها،

حتى رائحة فمها، من رائحة السفرجل الساخن،

سفرجل هيمنَتْ رائحتُهُ على هواءٍ كهواءِ عربةِ قطار.

9

النساء تعلمن أن يغنين للزرقة

دائماً نفس الأغنية،

لدرجة أن المرء لم يعدْ يعرف إذا كُنَّ فعلا يغنين أم لا،

فقد صار الهواءُ يغني.

10

في السماءِ قمرٌ جامدٌ مثل كأسِ حليبٍ بارد،

حليب يغسلُ لي عيني.

11

هواء الغرفة ينظر إليَّ،

حيث تنبعث منه رائحةُ طحينٍ ساخن.

12

في ساحة الطابور، على طرف البئر

كان يجلس كل مساء طيرٌ من الإسمنت،

كان غناؤه خشناً،

ونشيده من إسمنت.

13

كان الخبز دائماً مغطى بشرشف أبيض من الكتان،

وكأنه يخفي تحته كومةً من الجثث.

14

رأيت، كأنني في حلم، أننا نقف في خندق كبير جدًّا..

خندق مغطى بسماءٍ مدهونةٍ بسوادِ الليل

ومزينة بنجومٍ مصقولةٍ برهافة.

15

كنت أريد أن آكل ببطءٍ أكثر،

لأنني أردت أن أتلذذ بالحساء لفترةٍ أطول..

ولكنَّ جوعي كان جالساً أمام الصحن مثل كلب.

16

الموت أصبح ناضجاً،

ومشتاقاً للجميع.

17

بعض أيامنا لم تكن أكثر

من أجماتِ عشبٍ مداسة.

18

انا من غيرك غير أنا الذي معك،

أنت وحدك الذي تتوهم انك لا تتغير مطلقاً.

19

في الساعة الحادية عشرة كنتُ على الطريق،

أو بالأحرى كنا على الطريق،

جوعي وأنا.

****

أيضا رواية «قلب الظلام»، رواية تقطر شعراً، إن لغتها لتقطر شعراً جميلاً ـ هذا وهي مترجمة (قام بترجمتها إلى العربية صلاح حزيّن) ـ كما أن لغتها آسرة جداً، وفاتنة جداً، وهناك صفحات كاملة مليئة بالشعر..هنا مقاطع من تلك الرواية:

1

لكم تشبه السفينةُ

كلَّ سفينةٍ أخرى،

أما البحر

فهو نفسه دائماً.

2

ليس هنالك ما هو غامضٌ

بالنسبة لبحّارٍ،

سوى البحر نفسه.

3

.. وصعدْتُ درَجاً نظيفاً

خُلْواً من الزخرفةِ

قاحلاً مثل صحراء!

4

رأسه كان أملسَ

كراحةِ يدي.

5

عرْبَدَتْ الخُضرةُ

تيهاً على الأرض.

وتُوجَتْ الأشجارُ الكبيرةُ

ملكاتٍ..

6

دوّتْ في الهواءِ القاتم ِ

صرخةٌ هائلةٌ

كأنّها صرخةُ خذلانٍ مُطْلَق..

أما أنا فبدا لي

وكأنَّ الضبابَ هو الذي صرخ.

7

إنني راقبتُ علائمَ انقشاعِ الضبابِ

كما يراقبُ القطُّ فأراً..

فأعيننا لم تعدْ صالحةً لشيء!!

8

كانت الأدغالُ

ساكنةً مثل القناع

ثقيلةً مثل بابِ سجنٍ مُوصَد.

9

كانت الأعشابُ مبلّلةً بالندى

....

سرتُ مع الممر

ثم توقفتُ مُصْغيا..

كانت الليلة ُ صافيةً تماماً

وثمّة فراغٌ أزرقُ معتمٌ

يتلألأ بالندى والنجوم.

10

في قبرٍ فسيحٍ مليءٍ

بأسرارٍ لا تباح..

شعرتُ بثقلٍ لا يُحْتَمَل ُ

يضغطُ على صدري..

رائحةِ الأرضِ الرطبةِ

والحضورِ الخفيِّ للخرابِ المنتصر.