خالد هروبي
خالد هروبي
-A +A
علي فايع (أبها) alma3e@
تجاوزت الدراسة التي قدّمها الباحث لنيل درجة الدكتوراه في جامعة الملك خالد أحمد بن علي هروبي السمة التاريخية، والدراسات الأسلوبية والفنية التي دمغت الدراسات السيرية السابقة، وركزت على الذات منطلقا محوريا في الخطاب السيري السعودي، واعتمدت الدراسة التي كان عنوانها «الذات في السيرة الذاتية في المملكة العربية السعودية من عام 1393هـ إلى عام 1439هـ»، على أفق التكامل المعرفي، ووظفت حقول المعرفة (النفسية/‏السيوسولوجية/‏ الفلسفية) منطلقا لمقاربة الذات في الخطاب السيري السعودي.

وكان من أهداف الدراسة: تتبع نمو الذات نماء وسكونا، ورصد أهم تحولاتها، محاولة الكشف عن أنماط الذات، ورصد الأنساق المساعدة المغذية لها في الخطاب السيرذاتي، تتبع أنساق الفعل عند الذات السيرذاتية، الوقوف على علاقة الذات السيرية مع العالم، والكشف عما تتبناه الذات من أنساق في تلك العلاقة، رصد مستويات صراع الذات وتجلياته في الأعمال السيرية، البحث عن ملامح الأنساق الثقافية الثانوية والكشف عن سماتها (الموضوعية/‏ الشاعرية/‏ المتداخلة).


وكشفت الدراسة عن آليات الاشتغال والنتائج التي خرجت بها، ومنها أنها تجاوزت المرحلة التاريخية التي اتسمت بها الدراسات السابقة في مقاربة المنجز السيرذاتي السعودي، ووجهت اهتمامها إلى «الذات»، إضافة إلى محاولة البحث عبر مبدأ التكامل المعرفي النقدي والثقافي واستئناسا بالمنهج النفسي للكشف عن بناء الذات، فتناولت الأبعاد الجسمانية، والاجتماعية، والنفسية، التي أسهمت بالفعل في نحت ملامحها، وشكلت مقوماتها الأساسية في مراحل النشأة الأولية، كما أخذ البحث على عاتقه الكشف عن الذات الطموح، حين بينت الدراسة أنها السمة الأبرز، والمرتكز الأهم في تحقيق الذات لمقوماتها الأولية، ونجاحاتها الفريدة، وما التزمت به من أنساق التجاوز؛ حين تخطت الانكسارات وواصلت طريقها في التفرد. كما اعتنى البحث برصد تحولات الذات الفكرية، التي تمثلت في التحول الفقهي، والحداثي، والخطاب النسوي، الذي جاء تعبيرا عن نبذ الهيمنة الذكورية، والمطالبة بحقوق المرأة، والمناداة بالحرية. كما أفصح البحث عن أنماط الذات، من خلال إبراز أهم الأنساق الثقافية التي لعبت دورا مفصليا في رسم معالمها الشخصية، التي تمثلت في الأنا الفردية، عبر نوعين منها، الأول «أنا الحضور الطاغي» حين يتعالى صوت الذات من منطلق فردي خارج الذاكرة الجمعية، وكذلك من خلال الذات المفارقة التي أرادت أن تعبر عن حالتها الوجودية حين فارقت مراكز القوى والتأثير لاعتبارات عدة. وكذلك في رسم أنماط الذات الجمعية، التي جاءت مُظهرة لجملة من الذوات، وهي الذات الدينية، والقبلية، والوطنية، والقومية والإنسانية. كما أفصح البحث عن ملامح الفعل وأنساقه، حين كشف عن الذات الفاعلة، سواء من خلال الفعل الذاتي، عبر الفاعلية الدينية، والوظيفية، والمعرفية/‏ الإبداعية، والفاعلية المغايرة. أو من خلال الفاعلية الجمعية. وفي السياق نفسه، أبان البحث عن وجود نسق الذات المراقبة، عبر اتجاهين اثنين، تارة من منطلق المراقبة الإيجابية، ممثلة في الذات الناقدة، حين أتيحت لها الفرصة لممارسة مراقبة الأمور، وإعادة تشكيلها من جديد، وتارة من جهة الذات المراقبة بالمعنى السلبي، ممثلة في الذات المهمشة، حين بقيت في نطاق المراقبة، وحرمت من إعمال الرأي والنظر، أو حين عانت من نسق الإقصاء والتهميش. وفي السياق نفسه كشف البحث عن الذات المسيرة، حين كانت الذات مجبرة على الفعل، بتأثير من أنساق الإكراه أو الاضطرار. وعن علاقة الذات بالعالم فقد كشف البحث عن طبيعة الأنساق التي تعايشت بها الذات، عبر الذات المسالمة، بما وظفته من الاستجابات التوافقية، ومبدأ التكيف، وأسلوب الانسحاب، وتغيير الوسائل. كما كشفت الدراسة عن الذات الرافضة، حين عبرت عن رفضها القاطع لأشكال الانحراف الديني، والظلم، والتشدد، والنظم الثقافية المهيمنة. ولم يقف البحث عند حدود نسق الرفض، فكشف عن وجود نسق الذات المتمردة، المتمثل في التمرد الديني، والمجتمعي، والتمرد على السلطة السياسية. ونظرا لما يمثله الصراع من أهمية في الكشف عن ملامح الذات، فقد كشف البحث عن وجود بنية صراع، بنوعيه الداخلي والخارجي، وعن مستوياته المعقد منها والبسيط. كما كشف عن ملامح تلك الأنساق، فكشف عن النسق الموضوعي، مدللا على وجوده مع الذات نفسها من جهة، أو مع الآخر من جهة أخرى، من خلال حيادها وعدم انحيازها لهوى النفس، والاتجاه نحو الموضوعية. كما كشف البحث عن النسق الشاعري، المتمثل في عناية الذات بمركزية أناها، وتضخيم ذاتها. وصولا إلى الإفصاح عن النسق المتداخل، حين كانت الذات تزاوج بين النسق الموضوعي، والشاعري.