عبدالمحسن يوسف
عبدالمحسن يوسف
-A +A
عبدالمحسن يوسف
الزهور

ما نَفْعُ هذهِ الزهورْ؟ إذْ يرحلُ الموتى وتبكي في قلوبِنا القبورْ. نرشُّ غيمًا في الثرى الجليلِ الطيّبِ الوقورْ. ما نَفْعُ هذا؟ هل سيزهرُ الموتى؟ وهل يدّبُ في العظامِ ـ إذْ يلّفُها الظلامُ ـ نورْ؟ وما الذي ستصنعُ النذورْ؟ أليسَ أجدى أنْ ندّسَ الغيمَ في الصدورْ؟ لترتوي أعماقُنا.. أليسَ أجدى أن نقولَ «مرحبًا» لكلِّ مَنْ نرى؟ وأنْ نكدّسَ السلامَ عند مدخلِ القرى؟ وأنْ نطيرَ كالطيورْ؟ ما نفعُ هذهِ الزهورْ؟


الفخ هيّأتُ فخّي ـ باكرًا ـ في لُجّةِ الأشجار، أدركتُ المسرّةَ وهي نائية، وللظلِّ الوريفِ لجأتُ مستندًا إلى جذعِ الصباح، ورُحْتُ أرقبُ ما تحركهُ النسائمُ في البعيدِ، وما يرفُّ على الغصونْ وطفقتُ أبصرُ هادئاً حذِرًا جناحَ الطير يهبطُ من أعالي النخْل مرتابًا «ويمكثُ فوقَ غصنِ» السدْر ـ قربَ الفخِّ ـ مرتبكَ العيونْ ورمقْتُ ثَمَّ صَبيّة نَشَرَتْ على السَّعَفِ القريبِ قميصَها العِنبيَّ راضية، تغنِّي: ـ في ظلام الليلِ مَسَّ منامَتِي مطرٌ خفيفٌ، مّسني خَدَرٌ لطيفٌ، مَسّني حلمٌ.. وطارَ الطيرُ مذعورًا إلى الأعلى، وطِرْتُ لكي أكونْ.. مطراً بليل ِصَبيّةٍ مَسَّتْ صباحَ القلبِ كالفرَسِ الحرونْ.

حكايةُ الهاربِ من وداعِ الأم هي لا تبكي بعينيها، ولكنْ قلبَها الأبيضَ ـ يا صَحْبي ـ مرارًا قد بكى. وهُوَ لا يحتملُ الدمْعَ، ولا الحُزْنَ، ولا وقْفتَها بالبابِ ليلًا.. يسألُ الصحبُ: متى قرّرْتَ نمضي؟ ـ حالما تغفو.. سنمضي.. حين نامَتْ، غادَرَ الصحبُ، الرفاقُ، الطيبونْ وعلى المركبِ كانوا يمرحونْ وهو يرنو ـ دامعًا ـ للبحر.

في هدأةِ الغصنِ تذكّرْتُ في هدأةِ الغصنِ، أنّا قرأنا معًا في سماءِ الكتابْ وأنّا اصطفينا اشتعالَ الكتابةِ، جمرَ السحابةِ، وردَ السحابْ. وأنّا احتملنا عذاباتِنا.. نحنُ كانتْ لنا صولةٌ. لم نراهنْ على مطرٍ في البعيدِ البعيد الذي يسلبُ الروحَ أعنابَها. لم نراهنْ على نجمةٍ.. لا، ولم يطرقِ القلبُ أبوابَها. التمسنا الذي في العيونِ الذي في الغصونِ اهتدينا بهِ، ومخرنا العُبابْ.. اهتدينا بشمسٍ لنا وارفةْ. وقلنا: معًا نُبدع العاصفة.