-A +A
شفا المسند - الأردن
(كان الطقس باردًا جدًا وكان عليّ الاتصال بزوجتي لأخبرها بأني سأتأخر هذه الليلة في العودة للمنزل).

وقفت أنتظر السيدة لتنهي مكالمتها (حمدًا لله لن أضطر للانتظار طويلًا؛ ليس أمامي في كبينة الهاتف العمومي إلا هذه السيدة.


كانت تهمس بصوت منخفض ولأن المكان خالٍ كنت أستطيع سماعها بوضوح، أظنها تتحدث مع رجل ما..!؟ربما زوجها.. لا أعلم.. حسنًا سأحاول عدم الإنصات).

(لم أخبرهم عنك ولم أسمح لهم برؤيتك في عينيّ كانت الدموع تشتت انعكاس صورتك فيها.

وكنت ابتلعك كما يبتلع البحر الشمس الغاربة.

كنتُ احترق رغم ظاهر البلادة واللامبالاة، وأبتسم رغم جثث الأمنيات الطافية في أوردتي.. ليس حزنًا ما أعانيه؛ بل حسرة يأبى الوقت المساس بها، وماذا عساي أفعل وأنت جمرة سحرية تشتعل منذ ألف عامٍ وكلما نضج قلبي انبعث من جديد،

هل تجدها مبالغةً مني..!؟)

-(يا إلهي.. انتابني الفضول لمعرفة مايرد به الرجل على هذه العبارات المؤلمة المشحونة بالألم والحب !)

-(لا أظن ذلك يا عزيزي

ليس الاستحقاق ما يجعلنا نُحبّ من نُحبّ ! بل رغبة القلب بأن يكون شجاعًا ولو لمرةٍ واحدة في الحياة واختيار الروح للطريقة التي توّد أن تُقبض فيها.

توقف عن جعل الأمر مستحيلًا، ولا تدعني أنتظر طويلاً، على كل حال أنتظرك حتى وإن طال انتظاري).

-(تبًا لهذا الأحمق هل يعقل أن يكون رجلًا بعقل وقلبٍ من يدع امرأة بهذا الحبّ والشوق أن تنتظر..!؟ يا إلهي كيف يفكر بعض الرجال ! إنها تقبض على سماعة الهاتف بقوة ورجاء، كم أود لو تلتفت لأرى وجهها؛ أراهن على أنها امرأة جميلة فقوامها من الخلف متناسق وخصرها دقيق رغم أنها ترتدي معطفًا لكن ذلك واضح، ورائحة عطرها المنعشة التي تنسل عبر الهواء البارد تهون عليّ الانتظار).

-(حتى عندما تقرر المجيء؛ ليس عليك المكوث طويلًا، تعلم ذلك، كنت أرغب بزيارة ولو لمرة واحدة أحمل تفاصيلها بقية العمر، لن أرهقك بالحديث عن الغياب وأسبابه؛ يكفيني أن تكون هنا في يومٍ من الأيام).

-(سأسير أمام «كبينة الهاتف» وكأني أتمشى، يجب أن أرى وجهها؛ حسنًا ها أنا ذا؛ يبدو أنها لا تراني حتى، يا لجمالها؛ وجنتان مرتفعتان وأنف بارز بعض الشيء للأمام كأنه رمح روبن هود، شفتان منتفختان، وهذا الشعر الكستنائي المتناثر يكاد يغطي جبينها الصغير، أي رجل هذا الذي تحدثه أي قلبٍ يحتمل فراق هاتين العينين اللوزيتين المغمورتين بالدموع والشوق.!).

-(تعلم بأني لست بارعة في صنع قوالب الحلوى أو الكعك حتى، ولن أعدك بذلك، ولكني لن أدعك تذهب دون نخب اللقاء أخيرًا).

-(ومن يود فراق امرأة بهذه الرقة والجمال.!).

-(بقيت هناك حتى ظهر رجلٌ من المتجر القريب من كبينة الهاتف وتقدم نحوي وهمس في أذني:

هذه السيدة تجري مكالمة كل شهر، تأتي هنا وتمسك سماعة الهاتف وتتحدث ثم تمضي.

في الشارع الآخر ستجد هاتفا آخر أنصحك بالتوجه له.. هذا الهاتف معطل منذ عام تقريبًا!