القراءة في مجتمعاتنا يؤثر على كل المُصنفات القديم منها والحديث.
القراءة في مجتمعاتنا يؤثر على كل المُصنفات القديم منها والحديث.




ياسين عدنان
ياسين عدنان




إبراهيم الحازمي
إبراهيم الحازمي




مجد حيدر
مجد حيدر




ميرزا الخويلدي
ميرزا الخويلدي




عبدالرحمن سابي
عبدالرحمن سابي
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
مثّلت كتب التراث العربي لعقود روافد للوعي والثقافة والكتابة. واحتلت مطبوعات الأدب في العصور المتعاقبة صدارة المشهد الثقافي على مدى نصف قرن وأكثر، فيما تشتكي دور نشر اليوم من تراجع في الإقبال على أمهات الإبداع وأسفار اللغة والبلاغة وعيون الشعر. ولم يخف ناشرون قناعتهم بأن لجماعات الإسلام السياسي دورا؛ إذ كانت تموّل وتتبنى من التراث ما يعزز تقليدية التفكير ويخدم أجنداتها إلى أن فقد القارئون العرب الثقة في الحزبيين والمؤدلجين فتخففوا من أعباء تركة ثقيلة واستعاضوا بالكتابة المعاصرة واللغة المائية والمترجمات من الآداب والفنون العالمية، ما حدا بمكتبات ودور نشر كبيرة إلى تحجيم مطبوعاتها من تلك الكُتب التي لم تعد تلقى الرواج الذي كانت تلقاه سابقا.

ويذهب الشاعر المغربي ياسين عدنان إلى أن انحسار القراءة في مجتمعاتنا يؤثر على كل المُصنفات القديم منها والحديث، والتراثي والمعاصر، ويرى أن من الطبيعي أن يميل القرّاء إلى ما ينتجه معاصروهم من أعمال أدبية وفكرية ما دامت هي الأقرب إلى وجدانهم ومزاجهم وذائقتهم، والأكثر إنصاتا لانشغالاتهم واشتباكا مع قضاياهم. ويؤكد عدنان أنه لا يجب أن يورِّطنا هذا الطرح في نظرةٍ تضع التراث في وادٍ والنصوص الأدبية والنقدية والفكرية المعاصرة في واد آخر. كون الحداثة اليوم تلعب دورا مهما بارزا في تجديد التراث وإحيائه.


واستدعى عدنان مشروع أدونيس، باعتباره أحد أبرز رواد الحداثة العربية، إلا أنه جدد رؤيتنا لتراثنا بدءا من كتابه الأشهر «الثابت والمتحول» مرورا بكشفه عن العمق الشعري لتراث الصوفية وانتهاء بعمله الأنطولوجي القيم «ديوان النثر العربي». وأضاف «أن الشيء نفسه ينطبق على مجهود الناقد المغربي عبدالفتاح كيليطو؛ إذ أسهم بدراساته القيمة عن المقامات وعن أعمال الجاحظ والمعري في عودة عدنان شخصيا إلى التراث الذي قرأه بهديٍ منه، انطلاقا من إضاءاته النقدية. ولفت إلى إمكانية تحوّل التراث في أغلب الثقافات إلى كتب منسية تُركَن في رفوف المكتبات حتى يُقيَّض لها من يُعيد قراءتها بروح العصر ومنطقه، وبذلك تتجدّد وتحيا من جديد ويصير دورُها حاسما في تجديد رؤيتنا لذواتنا وللعالم، مشيرا إلى أن التراث لا يخشى الحداثة أبدا، بل يحتاجها ليتجدد ويستمر حيَّا ليس في الذاكرة وحدها بل وفي الوجدان أيضا.

فيما يذهب الكاتب التراثي الدكتور إبراهيم الحازمي إلى أن الحداثة جنت على كتب التراث كونها تبحث عن لغة ومفردات جديدة قائمة على الغموض والحيرة ونقد كل ما هو قديم. واستعاد الحازمي مقولة ابن خلدون «سمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين وهى (أدب الكاتب) لابن قتيبة، وكتاب (الكامل) للمبرد، وكتاب (البيان والتبيين) للجاحظ، وكتاب (النوادر) لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها».

ويرى أن ذلك في زمانه بحكم ما تحتاجه صناعة الكتاب، مشيرا إلى عناية الجيل المعاصر واعتماده على الروايات والحكايات والكتب المترجمة من الأدب العالمي، ما أضعف الإقبال على كتب التراث بسبب وجود تقنيات حديثة تغني نوعا ما عن الكتاب (شبكات التواصل الاجتماعي، والكتاب الإلكتروني) وحرص الحداثيين على نشر مذهبهم في المعارض والمهرجانات والأندية، ورفض ما هو قديم، وجهل كثير من الناس بالحداثة.

وعدّ كتب التراث مدرسة ومنبعا ومنهلا صافيا، ويؤكد معاناة معارض الكتب والمكتبات عموما من ضعف الإقبال على الكتاب عموما، التراثية أو غيرها والتعلق بالروايات الخالية من المضمون الجيد، والمزينة بأغلفة ورسومات حسان كما قال.

وأرجع الناشر مجد حيدر الذهاب إلى أحدث الإصدارات إلى المنجزات الحديثة للميديا التي أخرجت القارئ من فضاء إقليمي محدود وخاص إلى محيط إنساني يلتقي فيه بكل الآداب والأجناس البشرية ما يلزم معه التسليم بواقعية المعطى والمنجز العصري. ويسجل حيدر ملاحظته على انخفاض طلب زوار معارض الكتب على الكتاب التراثي عدا الدارسين وطلاب الجامعات، مشيرا إلى متابعة الأجيال للمترجم من الإبداعات العالمية والميل بحكم العصر إلى المطبوعات الأدبية والفكرية والفلسفية العربية والمترجمة، ولفت إلى إمكانية صرف نظر دور النشر عن طباعة كتب لا تباع كون الناشر يبحث عن هامش ربحي ولن يغامر بطباعة وتوزيع كتب لا قراء لها. وناشد حيدر وزارات الثقافة العربية بالبحث عن الكنوز التراثية التنويرية وتبني طباعتها وتوزيعها عبر الكتاب الورقي والإلكتروني وطرحها في وسائل الإعلام من خلال ندوات ونقاشات تؤصّل لثقافة الانفتاح والتسامح وتحد من التزمت والتشدد والغلو.

فيما يؤكد المحرر الثقافي ميرزا الخويلدي أن التراث منطلق لأجيال أدبية متعاقبة. ونادى بغربلته كون منه التنويري المتجاوز ومنه التقليدي الجامد. ويرى أن أساطين الأدب الجدد الذين ظنوا أنهم قادرون على بناء بيوت أدبية مقطوعة الصلة بكنوز اللغة ومناجم التراث، قدموا منتجا لا طعم له والكثير من الاعمال الجديدة فقيرة ومجدبة كما قال الشاعر محمد العلي «لا ماء في الماء».

وتساءل الخويلدي هل يمكنك أن تعبر الجسر نحو الجزالة والثراء اللغوي دون المرور بتراث الأدب القديم؟ دون أن تثري حصيلتك اللغوية بقصائد امرؤ القيس، والمتنبي، وكتب التراث ومنها «الكامل» للمبرد، و«البيان والتبيين» للجاحظ، ومقامات الحريري، و«عيون الأخبار» لابن قتيبة، و«العقد الفريد» لابن عبد ربه.. وغيرهم؟ ويجيب بأن البعض بدعوى التجديد والحداثة، لديه انفتاح واسع على التجارب الشعرية والأدبية في الغرب، «وهذا أمرٌ حسن، إلا أنه مقطوع الصلة بتراثه الأدبي»، والغريب أن ثمة من يربط بين التراث الأدبي و«الماضوية»، وهو ربط متعسف. وعزا الإنتاج الهزيل إلى وصفة سريعة للكتابة، تتمثل في أن تسرد دون مخزون لغوي، ودون ذخيرة من التراث الأدبي، ما ولّد تُخمة الإصدارات الهزيلة.

ويذهب الشاعر عبدالرحمن سابي إلى أن من التراث ما هو جدير باستحضاره كونه بناء شخصية عربية وهوية وصلة بين الأجداد والأحفاد. وضرب مثلا بالغرب وعنايته بآدابه وفنونه، مؤكدا أن العناية بالتراث الرافد لإنسانية الإنسان مطلب، والتنوير جزء من مشروع الثقافة دون إخلال بمضمون التراث باعتبار قيمته المعنوية ومكانته ودوره في زمنه.