عبدالحميد الحسامي
عبدالحميد الحسامي




معيض القرني
معيض القرني
-A +A
علي فايع (أبها) alma3e@
خلصت دراسة بحثية تداولية محكّمة قدمها الأكاديميان في جامعة الملك خالد، معيض عطية القرني وعبدالحميد الحسامي إلى أنّ المكاشفة أهمّ الآليات النصية التي تميز السيرة الذاتية عن غيرها من أشكال السرد التخييلي، وأنّ مؤلف السيرة الذاتية يوظفها لعدة مقاصد من أهمها التقرب من القارئ.

وأبانت الدراسة أنّ هناك فارقاً مهماً بين السيرة الذاتية العربية والسيرة الذاتية الغربية؛ إذ تعتمد السيرة الغربية على الاعتراف الفضائحي، وتعده شرطاً لسيرية العمل السيرذاتي، فيما السيرة الذاتية العربية ومن منطلق خصوصيتها الدينية والاجتماعية عدلت عن هذا الاعتراف إلى المكاشفة بأمور يتقرب بها المؤلف من القارئ، ولكنها لا تصل إلى الاعترافات التي تضر بوجه المؤلف، وتعيق تحقيقه لعلاقة المودة مع القارئ العادي.


وأبرزت الدراسة أنّ اتجاه المكاشفة إلى بعض الخصوصيات التي لا يعرفها القارئ قبل قراءة السيرة، وكشفها للقارئ، دليل على رغبة المؤلف في تقريبه، كبعض الأمور العائلية، وبعض المواقف السياسية، والمالية، والنفسية.

وكانت الدراسة قد أوصت بمواصلة البحث في جنس السيرة الذاتية؛ لأنه لا يزال يحتمل الكثير من القراءات التي تكتشف مجاهيله، وتوظيف المناهج النقدية الحديثة التي تنطلق في دراسة الخطاب السيرذاتي من داخله، ولا تكتفي بالتنظير له، مع ضرورة الدراسات المقارنة التي تظهر امتیاز السيرة الذاتية العربية عن غيرها من الأجناس السردية المقاربة لها من جهة، وعن السيرة الذاتية الغربية التي تأثرت بها من جهة ثانية.

وأرجعت الدراسة أسباب اهتمام السيرة الذاتية الغربية بالاعترافات (وإن تصادمت مع الدين والخلق) أنها تقدس الروح المادية والعلمية الجافة بعكس المجتمع العربي الذي تكون عنايته بالدين والخلق والجوانب الروحية أكثر من عنايته بالعلم.

واستشهدت الدراسة ببعض محاولات مؤلفي السيرة الذاتية العربية في تقديم بعض المكاشفات للقارئ، إلاّ أنها مكاشفات حذرة، يحرص فيها الكاتب على أن يتجنب كل ما قد يمس الجوانب الأخلاقية والدينية المقدمة في المجتمع العربي ولو عن طريق التواضع والإيماء أو التلويح فيكون مدعاة إلى الاشمئزاز والنفور.

وأكدت الدراسة على أنّ الاعتراف لا يقتصر على مفهوم التعري الفضائحي الغربي فحسب، بل يشمل، كما يرى أحمد أمين، الحديث عن الفضائل والحسنات من غير تحرج أو مبالغة في التواضع، وإن حدثت إشارة نادرة إلى بعض الموضوعات التي تضر بوجه الكاتب فإنه يقيدها بالإشارة الزمانية التي تعيدها إلى فترة من حياته يكون فيها الكشف عن تلك الجزئية مقبولاً في تلك الفترة، ويعول على أن القارئ إنما يدرك أنه إنما يقرأ ماضي المؤلف.

الدراسة التداوليّة اشتملت على مبحثين هما: مفهوم السخرية وقيمتها التضامنية، وموضوعات المكاشفة، وقد اشتمل هذان المبحثان على موضوعات من أهمها: مفهوم المكاشفة، ولماذا المكاشفة في المبحث الأول، إضافة إلى موضوعات المكاشفة في المبحث الثاني، وفيها المكاشفة الدينية، والعائلية الخاصة، والإنسانية، والنفسية، والمالية، وجوانب القصور، والمكاشفة بموضوعات محرجة، فيما خصص الجزء الأخير من هذه الدراسة للمكاشفة المخاتلة التي لا يكون الهدف من السيرة الذاتية تعرية الذات، بقدر ما يكون الهدف منها رفع الذات والحديث عن فضائلها، كما حدث في سيرة غازي القصيبي التنموية «حياة في الإدارة» ورضوى عاشور «أثقل من رضوى» !